مدن شرق أوسطية مستدامة

11 يوليو 2024

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

بصفتي رئيساً لاتحاد التحضر المستدام، أشعر بقلق عميق إزاء التحديات التي يفرضها التوسع الحضري وغير المنظم في منطقة الشرق الأوسط. إذ تنتج عن النمو الحضري، والذي غالباً ما يكون عشوائياً، عواقب بعيدة المدى على مجتمعاتنا واقتصاداتنا وبيئتنا.
على سبيل المثال، هذا هو الحال في لبنان، البلد الذي يعيش فيه حوالي 90% من السكان في المناطق الحضرية التي تواجه شبكة معقدة من الأزمات. وعلى مدى العقد الماضي، واجهت لبنان تدفق أكثر من مليون ونصف لاجئ، وعدم استقرار اقتصادي، وشلل سياسي. وقد أدت هذه التحديات إلى إجهاد الخدمات العامة والبنية التحتية والموارد، خاصة في المدن التي استقر فيها معظم اللاجئين.

يسلط التقرير الذي أعده برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية- اسكوا حول “حالة المدن اللبنانية" الضوء على الوضع، من خلال تحليل عشر مدن عبر 19 موضوعاً، حيث يكشف عن تباينات صارخة في الوصول إلى الخدمات والبنية التحتية. ويؤدي التوسع الحضري غير المخطط إلى تفاقم هذه الفوارق، مؤثراً على الإسكان والمياه والصرف الصحي وغيرها من الحقوق الأساسية. وهنا يؤكد التقرير على ضرورة التصدي لهذه القضايا بسرعة لضمان رفاهية مواطنينا.

لا تعد تجربة لبنان فريدة من نوعها.  فالمدن في جميع أنحاء الشرق الأوسط تواجه تحديات مماثلة، حيث يتجاوز النمو الحضري المتفجر في كثير من الأحيان جهود التخطيط، مما يدفع البنية التحتية الحالية إلى ما يتجاوز حدودها. ولم تشهد المدن التي تستضيف جزءًا كبيرًا من السكان، واللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين تحسنًا في بنيتها التحتية.

إن الضغط على البنية الحضرية التحتية هائل، ويزداد سوءًا بسبب الأزمات الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة، حيث يؤدي التحضر غير المنضبط إلى التدهور البيئي وتلوث الهواء وإدارة النفايات غير الكافية. تؤثر هذه العوامل على الصحة العامة وتفاقم نقاط الضعف الموجودة. إن عدم المساواة في الحصول على الخدمات والإسكان وفرص العمل يعزز الانقسامات الاجتماعية، حيث تعيق الطرق المزدحمة ووسائل النقل العام وأنظمة المياه والصرف الصحي غير الكافية التنمية المستدامة.
ولتأمين مستقبلنا، يجب أن نضع التنمية الحضرية المستدامة في أولوياتنا. نحن بحاجة إلى تخطيط حضري شامل يأخذ في الاعتبار الأبعادالاجتماعية والاقتصادية والبيئية. ويُعد التعاون بين الحكومة والمجتمع المدنيوالقطاعات الخاصة أمرًا ضروريًا، إلى جانب الاستثمارات الذكية في النقل وإمدادات المياه وإدارة النفايات، حيث يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص أن تساعد في سد فجوات التمويل.

إن ضمان حصول الجميع على سكن لائق هو حق أساسي. ويمكن للسياسات السكنية الميسرة والحلول المبتكرة أن تعالج هذا التحدي. حيث أن المساحات الخضراء الحضرية تحسن جودة الحياة وتعزز المرونة، وهنا يجب أن تكون المناطق الخضراء والعمارة المستدامة جزءاً لا يتجزأ من مدننا، وينبغي مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات التي تعزز الملكية وتضمن أن تلبي التنمية الحضرية احتياجاتهم.

رحلة لبنان نحو تحقيق التنمية الحضرية المستدامة هي انعكاس لرحلة العديد من الدول العربية نحو تحقيق التنمية الحضرية المستدامة. وبينما نتجاوز الأزمات المعقدة، يجب أن نغتنم الفرصة لبناء مدن مرنة وشاملة ومستدامة، حيث أن جهودنا المشتركة اليوم ستشكل مستقبلاً مزهراً للأجيال القاد

طلال أبوغزاله