فلسطين لغة الحقائق لا لغة العواطف

13 يونيو 2024

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

عندما أتحدّث عن فلسطين.. كل فلسطين الدولة المستقلّة الحاصلة على تكوينها وحدودها والإعتراف الدولي بها منذ العهد الأموي والعصر العباسي الذي تلاه، والدولة العثمانية فيما بعد، ثم زمن المماليك، الذي أعقبه حكم الصليبيين الذي لم يدم طويلاً وكان الفضل للمناضل الفذّ "صلاح الدين الأيوبي " الذي حرر "بيت المقدس " كما أطلقه عليها الخليفة "بن معاوية "، وصفحات التاريخ حافلة بفلسطين وعاصمتها الأبدية "بيت المقدس "..

إذاً فلسطين ولو شئت الحديث عن تاريخها الطويل لما كفاني مجلدات وصفحات، فقط بوسعي أن أشير إلى وثيقة من أهم الوثائق التي تشهد على وجود دولة فلسطين أحملها بكلّ حرص حتى يومي هذا، وهي ممهورة بالأختام الصريحة الواضحة باسم دولة فلسطين والحكومة الفلسطينية في حينه، وتحديداً في العام "1938 "، وهذا التاريخ الشاهد الأمين الذي لا لُبْسَ فيه ولا تحوير ولا إدّعاء، هو وثيقة "ميلادي " الفلسطيني فوق الأراضي الفلسطينيّة، من أبّ فلسطيني متجذّر في التراث والتراب الفلسطيني، ومن أم "فلسطينيّة " اكتسبتْ الشرف الفلسطيني بالتزكية كونها زوجة رجل فلسطيني، وهي دمشقية الأصل من أشراف العائلات، علماً أنّ بلاد الشام لم تكن تعرف التجزئة أو الفصل بين لبنان وفلسطين وسوريا، حتى جاء الانتداب البريطاني وقبله الفرنسي وقسّمها إلى دول ومناطق، ومدن متلاطمة من أزمة إلى أزمة، ومن تعدٍ داخلي إلى تعدّيات وتعدّيات خارجيّة.. ختمها بوعد "بلفور " الغاشم. 

طبعاً الدخول في أروقة التاريخ يحتاج إلى وقت طويل جداً، وسرد أطول بكثير.. لهذا أكتفي بما لديّ دون استحضار السياقات الداعمة لتأكيد استقلاليّة فلسطين، فهي مؤكدة في مواثيق الأمم المتّحدة، التي اقرّت للكيان نشوءه في فلسطين دون مراعاة أصول نشوء الدولة إذ لا حدود لدولة الكيان الطفيلي الغاصب ولا دستور ولا حتى تعريف للمواطن، وحتى اليوم لا يزال المقيم الغاصب على أرض فلسطين اسمه "مستوطن" وليس مواطناً، والمستوطن كما هو معلوم لغوياً يعني "وضع اليد " عنوة وغصباً وزوراً وبهتاناً وعدواناً، حتى أنّ الكيان الغاصب لم يحتمل صورته المزرية بنظر الأمم المتّحدة فمزّق قرارها علناً وهذا لا يخفى على أحد بل يؤكّد همجيّة هذا الكيان وعدم احترامه حتى للمواثيق القانونيّة الدولية..
لهذا أكرر اعتزازي هنا للمرّة الألف وربما أكثر، أنّ وثيقة شهادة ميلادي "الشخصيّة" الصادرة عن الحكومة الفلسطينية المستقلّة في العام 1938 تدحض كل المزاعم المشكّكة في استقلاليّة فلسطين، وتبطل كل الأباطيل القائلة بتبعيّة فلسطين للكيان "الغاصب " الدخيل، والجميع يدرك أنّ الأطماع في فلسطين معروفة الأسباب لما لهذه البقعة الجغرافيّة من أهمّية على مختلف الأصعدة الجغرافية فهي تتوسط ثلاث قارّات، وهي مهد الرسل والديانات ومعبرها الرسمي المكرّس بجميع الأعراف، وهي التربة الخصبة ببياراتها وزيتونها وخيراتها التي لا تحصى، أمّا بحرها في "غزّة " فهو مستودع الكنز الذي تطمع فيه ليس الصهيونيّة المحليّة وحدها بل الصهيونيّة العالمية التي تدعم الحرب للسطو على "الغاز " الطبيعي الذي بوسعه أن يغطي ثلث احتياج العالم في القارتين الأوربيّة والأميركيّة.. وهكذا تتقلّب الأحوال في فلسطين من نهبٍ إلى نهب..

المقاومة الفلسطينيّة اليوم أوقفت الغطرسة الصهيونيّة عند حدّها، أصبحت المعادلة الصعبة أمام الكيان الذي ينهار تباعاً، فأوّل انهياراته هو انقلاب جميع المناصرين له في أنحاء العالم إلى أعداء ومناهضين، ثاني انهياراته الخلافات العلنية التي لا تخفى على أحد داخل الحكومة الواحدة وتقديم الاستقالات الجماعية رغم توسلات "نتنياهو " بوجوب التماسك والتضامن والاستمرار، الانهيار الثالث والأخطر أمام الرأي العام في كل مكان صورة نتنياهو التي تحوّل فيها من سياسي إلى سفّاح للنساء والأطفال والشيوخ والمرضى، الأمر الذي اضطّر جميع أصحاب القرار إلى إعلان النفير العام بوضع حلول عاجلة لحفظ ماء الوجه، وذلك بحلّ "الدولتين " الفلسطينيّة والإسرائيليّة، ولكن مهلاً.. هل يحقّ للصّ أن يفاوض، وهل ثمّة شرف لمغتصب؟؟؟!..
فلسطين كانت دولة وستبقى بإذن بارئها كما كانت دولة ولا بديل عن قناعتي هذه، ودم شعبها هو ثمن عودتها إلى دولة حرّة مستقلّة، وسنرفع جميعاً لاءات الراحل جمال عبد الناصر "لا تخاذل -لا صلح -لا استسلام ".. 

صحيح أنّ الوجع كبير والثمن باهظ الذي يدفعه أهالي غزّة، لكن النصر يمحو كل خراب، ويمسح كل دمعة، وكفيل بعودة البسمة والفرح إلى أرجاء فلسطين التي كانت تصدّره إلى كل مسلمي العالم بمسرى الرسول في صخرة الأقصى، وإلى كل مسحيي العالم بكنيسة القيامة، وأيضاً بحائط المبكى المفتوح أمام كل يهود العالم المسالمين المتّقين النبلاء الذين يدركون كل الإدراك، أنّ الكيان العدواني إساءة إلى الدين اليهودي ووزر على أهله قبل غيرهم، وأن الكيان الغاصب إلى زوال حتمي بدأت تتكشّف ملامح نهاياته التعيسة دون أدنى ريب.. وللحديث بقيّة قبل النصر وربما بعده بمشيئة القادر القدير.

طلال أبوغزالة