نماذج الذكاء الاصطناعي: أدوات للقوة الاستراتيجية
12 مايو 2024
عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي
تقف نماذج الذكاء الاصطناعي في ساحة التكنولوجيا العالمية كأرقام شامخة، لا تشكل مستقبل الحوسبة فقط، بل أيضًا المشهد الجيوسياسي. في طليعة هذه الثورة كان نموذج ChatGPT البارز الذي أحدث ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي، وجعله في متناول الجماهير، وقدم قيمة هائلة بطريقة لم تكن ممكنة من قبل. ويمثل إصداره الأحدث ChatGPT 4 قفزة كبيرة في معالجة اللغة الطبيعية بأكثر من 400 مليار مقياس. وقد وضع هذا معياراً حيث يتنافس عمالقة التكنولوجيا لبناء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاصة بهم وذلك لعلمهم ان بقاءهم المستقبلي يعتمد على ذلك. هذه لحظة فاصلة تمامًا كلحظة وصول الإنترنت، حيث أصبحت الهيمنة على هذا المجال أولوية قصوى على شاشات رادار جميع شركات التكنولوجيا. لذلك يسعى جميع كبار اللاعبين في قطاع التكنولوجيا مثل Microsoft وGoogle وAmazon وغيرهم، جاهدين لتطوير عروضهم في هذا المجال
ومع ذلك، فإن هذا لا يتعلق بالمنافسة بين شركات التكنولوجيا في الغرب فقط، بل أصبح ظاهرة عالمية حيث تقوم الصين ببناء منافسين يتساوون مع ChatGPT. وتمتلك الصين مشهد ذكاء اصطناعي نشط للغاية يخدم الشعب الصيني. أما منافس ChatGPT الرئيسي فهو SenseNova 5.0 والذي تم تدريبه على 600 مليار مقياس، مما يسمح له بأداء مهام معقدة، ومنافسة لِـ ChatGPT عن كثب في مجموعة من التطبيقات، مما يعكس المنافسة الشديدة والتطور السريع في المنافسة الغربية.
داخلياً، تشهد الصين منافسة شرسة سليمة في مجال الذكاء الاصطناعي بين عمالقة التكنولوجيا هناك، حيث تقوم شركات مثل Alibaba وBaidu وغيرها بتطوير نماذج ذكاء اصطناعي متطورة خاصة بها. إنهم يدركون أيضاً أن المخاطر عالية وأن ازدهارهم المستقبلي يعتمد على التفوق في هذه التكنولوجيا. أما بالنسبة لكل من الصين والولايات المتحدة، فمن الواضح أن نماذج الذكاء الاصطناعي هذه هي أكثر من مجرد أدوات؛ إذ تمثل رموزًا للقوة الوطنية والأصول الاستراتيجية في الحرب التكنولوجية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين؛ وهي منافسة تمتد عبر مختلف القطاعات، بما في ذلك أشباه الموصلات، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، حيث تبذل كل دولة جهدا لتحقيق التفوق التكنولوجي.
الآثار المترتبة على هذه المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي عميقة: سياسيا، يمكن أن تعيد تعريف التحالفات وديناميات القوة. تقنيًا، قد تؤدي إلى انقسام في معايير التكنولوجيا العالمية وسلاسل التوريد. أما فيما يتعلق بالبيانات، فمن المؤكد أن أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه ستشكل طريقة كيفية معالجة المعلومات وعرضها، مما يؤثر على وجهات النظر العالمية وعمليات صنع القرار. وتعد البيانات ذات أهمية أساسية في هذا السباق، فضلاً عن بناء أطر أخلاقية قوية ومسؤولة لتطويرها لضمان تطوير قطاع عادل وشفاف. سواء تم تطوير هذه الأدوات بالتعاون بين الولايات المتحدة والصين، أو بشكل منفصل، فذلك ما ستكشفه الأيام المقبلة.
يشهد العالم فجرًا جديدًا في تاريخ التقدم التكنولوجي، حيث تمثل نماذج الذكاء الاصطناعي الركيزة الأساسية التي ستساعد في تحديد المستقبل. إنه سباق عالي المخاطر، حيث يمكن للفائز أن يحدد وتيرة واتجاه التقدم التكنولوجي في القرن الحادي والعشرين. ومع استمرار تطور هذه التقنيات، فإنها لن تعمل كأدوات للقوة الاستراتيجية فقط ولكن أيضًا كمحفزات للتغيير. إن سباق الذكاء الاصطناعي قائم بالفعل، وسوف تخلًف نتائجه آثارًا دائمة على السياسة والتكنولوجيا والنسيج الاجتماعي ذاته.
طلال أبوغزاله