غيوم الوهن الاقتصادي تقترب

24 ديسمبر 2023

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

في ظل ما يشهده العالم حاليا من أزمات متلاحقة تزداد شدتها وتحكم قبضتها على العالم لا يحضرني سوى ما قاله المستثمر الأسطوري وارن بافيت: «فقط عندما ينحسر المد، تعرف من كان يسبح عارياً». وبعبارة أبسط، فإنه يعني أن الانكماش كفيل بكشف خوضنا في الكثير من المخاطر.
إننا نمر في فترة اقتصادية خانقة ترمي بظلالها على العالم أجمع ويختصرها ارتفاع الأسعار وندرة القوة الشرائية وخسائر متتابعة في إيرادات الشركات بسبب التضخم، وهو ما أثر سلبا في إيقاف أو تجميد التوظيف وما يتبعه من ارتفاع البطالة. فلا عجب من عزوف أصحاب رؤوس الأموال عن ضخ أموالهم في السوق في مثل هذه الأوقات وتجميد أموالهم في البنوك تحسبا لاي مفاجأة قادمة في ظل الأوضاع الاقتصادية المقلقة وحتى أصبح لدى المستثمرين ما يسمى «باقتصاد القلق».
لم يعد «اقتصاد القلق» ينطبق على المستثمرين فقط بل تجاوزه ليصل إلى الحكومات والدول، لا سيما الدول الفقيرة التي تحاول جاهدة قدر الإمكان أن تعيش اللحظة فقط، في ظل غياب خطط مستقبلية لأنها تجهل المستقبل وتقلباتة المستمرة والمتزايدة.
أصبح «القلق» يغِيم سلوكنا الاقتصادي في الوقت الراهن، وأصبحت الشكوك المسيطر الوحيد على التفكير في كل مشروع قابل للاستثمار وأصبح المال الداخل لا يعود. وانني دائما ما أتساءل عن مصير الشركات التجارية مثل «المطاعم» والمولات والازياء والكثير من الخدمات التي تعد استهلاكية، والتي عادة ما تتلقى الضربة الأقوى في ظل اقتصاد هش. لذلك وجب مع اقتراب غيوم الاقتصاد القلق التوجه للتركيز على الاعمال التجارية «عالية الطلب»، أو ما يسمى «الاعمال التجارية المضادة للركود» بوصفها السر الوحيد للنجاة في ظل قسوة الظروف الحالية وبصفتها الأعمال الأكثر صمودا في وجه الأزمات الاقتصادية.
أن ما شهده العالم مؤخرا من ارتفاع أسعار الفائدة لن يتوقف عند هذا الحد، فالمخاوف تتصاعد يوما بعد يوم بسبب التضخم وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وهو أيضا ما حذر منه الرئيس التنفيذي لبنك «جيه بي مورغان»، جيمي ديمون قائلا «من أنه إذا اضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الاستمرار في رفع أسعار الفائدة لتهدئة التضخم، فسيكون ذلك مؤلما.» وحذر ايضا من أن رفع أسعار الفائدة بنقاط أخرى ستكون «أكثر ألما» و«سيكون هذا هو الاتجاه الذي سينحسر».
في النهاية، علينا ان لا ندخل في «لعبة التخمين»؛ لأن الغيوم ما زالت تحجب الرؤية وإن البيانات القاتمة تقود إلى صعوبة التنبؤ وأن المفاجآت السريعة وبيئة عدم اليقين دفعت بالكثير باتجاه التسليم بحالات الركود.
وكنت قد ذكرت في مقالة سابقة تحت مسمى «في مواجهة الكساد العالمي الأكبر في التاريخ»، مجموعة من المقترحات التي قد تساهم في التقليل من حدة الركود الاقتصادي، واقتبس منها مرة أخرى، ضرورة تقديم اقتراحات بديلة بعيدا عن فرض ضرائب جديدة تعرقل الانتعاش المطلوب. إضافة إلى إلغاء الضريبة عن المشاريع الاستثمارية الجديدة في الزراعة والأدوية، وكذلك كافة الصناعات المجدية، وتأمين الحماية اللازمة لها وصولا إلى الاكتفاء الذاتي في الدولة. وضرورة التركيز كأولوية على التحول إلى دولة رقمية، بما في ذلك في تجارة الخدمات، وفي التعليم (بشكل خاص التعليم الرقمي) وفي الحكومة الرقمية، وتحديث وتطوير قوانين التعليم والتعامل الرقمي بشكل شامل وفعال. جنبا إلى جنب مع اعتماد سياسات تحفيز النمو في الناتج القومي ودعم الأربحية في الشركات توفيرا للمزيد من فرص العمل ولتوسيع الوعاء الضريبي مما يحقق دخلا ضريبيا أكبر للدولة (دون اللجوء لزيادة مباشرة على الضرائب). ناهيك عن اعتماد الشفافية وإشراك القطاع الاقتصادي والمواطنين في اتخاذ القرار. تظل القاعدة الذهبية للتصدي للركود الاقتصادي هي التركيز على الحاجات الضرورية بوجود خدمة ذات قيمة وسعر مقبول.

  بقلم د. طلال أبوغزالة