الزراعة الذكية.. استدامة وصمود في مواجهة تغير المناخ
21 ديسمبر 2023عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي
أضحت الحاجة إلى تقنيات زراعية مبتكرة وفعالة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ولا يمكن المبالغة في أهمية هذا المسعى؛ فالأمر لا يتعلق بإطعام سكان العالم فحسب، بل يتعلق أيضًا بحماية بيئتنا وتعزيز الأمن الغذائي العالمي للأجيال القادمة.
ومع توقع أن يصل عدد سكان العالم إلى ما يقرب من 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، فهناك طلب عاجل وهائل على المزيد من الغذاء، ولا يتطلب هذا العدد المتزايد من السكان المزيد من الغذاء فحسب، بل يحتاج أيضًا إلى أنظمة غذائية أكثر تنوعًا وغنية بالعناصر الغذائية. ولتلبية هذه المطالب، نحتاج إلى إعادة تصور أنظمتنا الزراعية، وتبني الابتكار والممارسات المستدامة.
ويجب على المزارعين، الذين يشكلون العمود الفقري لنظام إنتاجنا الغذائي، أن يتكيفوا مع هذه الظروف المتطورة من خلال تسخير قوة المعرفة والتكنولوجيا الرقمية لضمان الأمن الغذائي في مواجهة مستقبل غامض، حيث تواجه المستويات الحالية لإنتاج الغذاء تحديا غير مسبوق في مواكبة النمو المتواصل لسكان العالم.
ولا تقتصر المهمة على زيادة الكمية فحسب، بل تتعلق أيضًا بتعزيز الجودة، وضمان أن يكون الغذاء المنتج مغذيًا وآمنًا ومستدامًا بيئيًا، وسوف يتطلب تحقيق هذا الهدف بذل جهود متضافرة لتعزيز إنتاجية المحاصيل، والحد من خسائر ما بعد الحصاد، وتحسين توزيع الغذاء والحصول عليه، وتقليل البصمة البيئية للزراعة.
وأقول إن حجم التحدي العالمي لإنتاج الغذاء وإلحاحه يجعل من الواضح تماما أن الحل الوحيد القابل للتطبيق يكمن في اعتماد الزراعة الذكية القائمة على البيانات، فدمج الحكمة الزراعية التقليدية مع التكنولوجيا الحديثة، المدعومة بتحليلات البيانات والبرمجة التفاعلية المسماة "الذكاء الاصطناعي"، لديه القدرة على إحداث ثورة في الممارسات الزراعية في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، لتحقيق هذا التحول على نطاق عالمي، فمن الضروري تبسيط تكلفة هذه العمليات وإمكانية الوصول إليها وإتاحتها للجميع.
إحدى المزايا الرئيسية لتقنيات الزراعة الذكية هي القدرة على مراقبة فعالية المعدات، مما يضمن أن الآلات تعمل بأقصى كفاءة، وهذا لا يوفر الموارد ويقلل تكاليف التشغيل فحسب، بل يقلل أيضًا من البصمة البيئية للممارسات الزراعية.
بالإضافة إلى ذلك، توفر أنظمة الزراعة الذكية معلومات في الوقت الفعلي عن نمو المحاصيل وتطورها، مما يمكّن المزارعين من اتخاذ قرارات في الوقت المناسب بشأن الري والتسميد ومكافحة الآفات، حيث توفر هذه التقنيات نظرة ثاقبة لمستويات رطوبة التربة، والتي تعتبر حيوية لإدارة موارد المياه بشكل فعال، وخاصة في المناطق المعرضة للجفاف.
وأرى أن إضفاء الطابع الديمقراطي على التكنولوجيا الزراعية الذكية ليس مجرد هدف؛ إنها ضرورة. ولا ينبغي أن تظل هذه التكنولوجيا مقتصرة على البلدان المتقدمة أو الشركات الزراعية الكبيرة، بل يجب أن تتغلغل في كل طبقة من طبقات النسيج الزراعي العالمي، إذ ينبغي أن يتمتع المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة في الدول النامية، الذين يشكلون نسبة كبيرة من القوى العاملة الزراعية في العالم، بإمكانية الوصول إلى الأدوات والمعرفة اللازمة لتعزيز إنتاجيتهم والتكيف مع الظروف البيئية المتغيرة. تعد الشمولية في اعتماد الزراعة الذكية أمرًا حيويًا لضمان الأمن الغذائي والاستدامة لسكان العالم الذين يتزايد عددهم باستمرار.
إن جعل هذه التكنولوجيات ميسورة التكلفة ومتاحة للمزارعين على جميع المستويات، من مزارعي الكفاف في القرى النائية إلى العمليات التجارية الكبيرة، سوف يتطلب جهودا تعاونية من جانب الحكومات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص، ولا أعني هنا مجرد مسألة توفير الأدوات؛ بل يتعلق الأمر أيضًا ببناء القدرات والتعليم والدعم الفني، إذ أنه وبينما نتطلع إلى المستقبل، يتعين علينا أن ندرك أن إطعام مليارات أخرى من البشر بطريقة مستدامة وعادلة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تبني الزراعة الذكية كجهد جماعي عالمي للمساهمة في الاستدامة والقدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ.
طلال أبوغزاله