واشنطن وبكين.. سباق التسلح بالبرمجة التفاعلية (المسماة الذكاء الاصطناعي)
17 ديسمبر 2023عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي
يعكس سعي الولايات المتحدة والصين لامتلاك أسلحة تعمل بالبرمجة التفاعلية تصاعد المنافسة الجيوسياسية بين القوتين العظميين، فالبرمجة التفاعلية المسماة "الذكاء الاصطناعي" أحد أكثر التقنيات تحويلية في العصر الحديث، بما يوفر من إمكانات هائلة في مختلف المجالات، من الرعاية الصحية إلى الاستثمار إلى النقل، ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن دور البرمجة التفاعلية في التطبيقات العسكرية أصبح أيضًا جانبًا محوريًا للقوى العالمية الكبرى، وفي سباق التسلح بين الولايات المتحدة والصين، فالهدف الأول لأميركا بناء أسلحة على أساس البرمجة التفاعلية، مدفوعة بالاعتقاد بأن تجاوز الصين في هذا المجال يمكن أن يؤدي إلى نهاية كارثية للولايات المتحدة.
فمع ظهور أنظمة الأسلحة العاملة بالبرمجة التفاعلية، تجد الدول نفسها في سباق للحفاظ على ميزتها التكنولوجية وحماية أمنها القومي، ومن هنا ينبع مفهوم سباق التسلح بالبرمجة التفاعلية من الاعتراف المتزايد بأن الدولة التي تكتسب ميزة تكنولوجية حاسمة في الأسلحة التي تقودها البرمجة التفاعلية من المحتمل أن تعيد تشكيل توازن القوى العالمي.
إذن الولايات المتحدة والصين على وجه الخصوص تنظران إلى البرمجة التفاعلية على أنها عامل تغيير قواعد اللعبة في الحرب الحديثة، وإحداث ثورة في القدرات العسكرية بما في ذلك الأسلحة النووية، واتخاذ القرارات، والاستراتيجيات، وبالتالي فإن كل دولة مدفوعة لتحقيق الهيمنة التكنولوجية لتأمين مصالحها وردع الخصوم المحتملين.
وبينما تستثمر الصين بكثافة في البرمجة التفاعلية والتقنيات الناشئة، ترى الولايات المتحدة أن إمكانية تجاوزها في القوة العسكرية مصدر قلق كبير لأمنها القومي. خوفًا من مستقبل تهيمن فيه بكين على تكنولوجيا الأسلحة التي تقودها البرمجة التفاعلية، تشعر واشنطن بأنها مضطرة للحفاظ على تفوقها التكنولوجي.
ومع ذلك فإن امتلاك أنظمة برمجة تفاعلية متقدمة يمكن أن يثني الخصوم عن الشروع في أعمال عدائية، وبالتالي تعزيز الاستقرار والأمن العالميين، كما يمكنها من ممارسة تأثير أكبر في الشؤون الإقليمية والعالمية، وترسيخ مكانتها كلاعب مهيمن في السياسة والأمن الدوليين.
طبعا هذا التنافس المحموم بين واشنطن وبكين أدى إلى زيادة في الابتكار حيث يستكشف العلماء والمهندسون وخبراء الدفاع إمكانيات جديدة لدمج البرمجة التفاعلية في أنظمة الأسلحة. يقود السعي لتحقيق التفوق العسكري التقدم في خوارزميات التعلم الآلي، ومعالجة اللغة الطبيعية، والأنظمة المستقلة، لكن في الوقت ذاته يتعين على كلا البلدين التعامل مع الآثار الأخلاقية لنشر البرمجة التفاعلية في الحروب وتطوير أطر عمل قوية لضمان المساءلة والامتثال للقانون الإنساني الدولي، فالسعي وراء الأسلحة القائمة على البرمجة التفاعلية يعد بقدرات معززة في ساحة المعركة، فإنه يثير أيضًا معضلات أخلاقية ومعنوية كبيرة. إن أتمتة عملية صنع القرار المميتة، واحتمال حدوث عواقب غير مقصودة، وعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين المقاتلين والمدنيين، كلها مخاوف تتطلب دراسة متأنية.
وانا أرى أن الافتقار إلى لوائح واضحة ومعايير متفق عليها دوليًا للبرمجة التفاعلية في التطبيقات العسكرية سيؤدي إلى تضخيم خطر حدوث سباق تسلح خارج عن السيطرة. لمنع تصعيد التوترات وتعزيز الاستقرار العالمي، فإن الجهود الدبلوماسية ضرورية لإنشاء حوارات متعددة الأطراف حول تسليح البرمجة التفاعلية وتطوير قواعد مشاركة مدفوعة بالإجماع للأنظمة التي تدعم البرمجة التفاعلية.
على الرغم من التنافس الشديد، هناك فرص محتملة للتعاون بين الولايات المتحدة والصين في مجال البرمجة التفاعلية. من خلال تعزيز خطوط الاتصال والتعاون المفتوحة، يمكن لكلتا الدولتين مواجهة التحديات المشتركة بشكل جماعي، مثل الأمن السيبراني، وأخلاقيات البرمجة التفاعلية، وتغير المناخ، إذ يمكن أن يساعد إنشاء منصات تعاونية في بناء الثقة المتبادلة وتقليل احتمالية حدوث تصعيد غير مقصود في سباق التسلح.
وأشدد هنا على ضرورة قيام القوتين العالميتين بإعطاء الأولوية لتطوير البرمجة التفاعلية المسؤول لضمان سلامة وأمن الأسلحة التي تعمل بالبرمجة التفاعلية. يعد تنفيذ اختبارات قوية والتحقق من الصحة وآليات آمنة من الفشل أمرًا ضروريًا لمنع العواقب غير المقصودة وتقليل أخطار حدوث أعطال في البرمجة التفاعلية أو القرصنة من قبل جهات غير مسؤولة.
كما يمكن أن يكون للاندماج السريع للبرمجة التفاعلية في قطاع الدفاع آثار كبيرة على القوى العاملة والتوظيف. نظرًا لأن المزيد من المهام أصبحت مؤتمتة، فهناك احتمال لاستبدال الوظائف والتحولات في سوق العمل، وهنا قد تواجه حكومتا البلدين العواقب الاجتماعية والاقتصادية لنشر البرمجة التفاعلية، ما لم تقوما مبكرا بضمان انتقال سلس للعمال المتضررين والاستثمار في برامج إعادة التدريب للتكيف مع مشهد الوظائف المتغير.
فقط من خلال الجهود المتضافرة يمكن للعالم أن يتنقل في سباق التسلح للبرمجة التفاعلية مع ضمان الاستقرار العالمي وتسخير الإمكانات التحويلية للبرمجة التفاعلية من أجل الصالح العام.
طلال أبوغزاله