دور الحوكمة في معالجة تغير المناخ
16 نوفمبر 2023عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي
في عالمنا شديد الترابط، أصبحت المشاركة الفعالة في الحوكمة العالمية أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ أنه وبينما تتصارع الدول مع تحديات معقدة مثل تغير المناخ، والأوبئة، وعدم المساواة الاقتصادية، والتهديدات الأمنية، أصبحت الحاجة إلى حوكمة عالمية تعاونية وشاملة أكبر من أي وقت مضى.
ويشير مفهوم الحوكمة العالمية إلى الجهد الجماعي الذي تبذله الدول والمنظمات الدولية والجهات الفاعلة غير الحكومية لمعالجة القضايا العالمية التي تتجاوز الحدود الوطنية. فهي تلعب دورًا محوريًا في تشكيل السياسات واللوائح والمعايير التي تؤثر على مجموعة واسعة من المجالات، بدءًا من التجارة وحماية البيئة وحتى السلام والأمن.
ولإن العديد من تحديات اليوم واسعة النطاق ومعقدة للغاية بحيث يتعذر على أي دولة حلها بمفردها، توفر الحوكمة العالمية إطارًا للدول للعمل معًا لإيجاد حلول لقضايا مثل تغير المناخ والأوبئة، ونزع السلاح النووي، كما تساهم الحوكمة العالمية الفعالة، مثل الأمم المتحدة، في منع الصراعات والحفاظ على السلام والأمن الدوليين. وهي توفر آليات للحلول الدبلوماسية للنزاعات ولجهود الأمن الجماعي.
والاهم حاليا أن الحوكمة هي المحور الأساسي في معالجة تغير المناخ، وهو مسعى متعدد الأوجه يمتد على المستويات الدولية والوطنية والمحلية، ويتضمن التعاون وصياغة السياسات والتنظيم وآليات المساءلة، إذ إن التعامل بفعالية مع تعقيدات إدارة المناخ أمر ضروري للتخفيف من أسوأ آثار تغير المناخ، وبناء مستقبل مستدام، وحماية الكوكب للأجيال القادمة.
وأرى أن الإدارة الفعالة للمناخ تتطلب أيضًا الشمولية والنظر في قضايا العدالة الاجتماعية، حيث يتحمل سكان البلدان الأكثر فقرا، وهم في كثير من الأحيان الأقل مسؤولية عن انبعاثات غازات الدفيئة، وطأة التأثيرات المناخية، ويضمن الحكم العادل ألا تؤدي السياسات المناخية إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة، بل من المفروض أن تعزز العدالة والشمولية.
وعليه فإن إدارة تغير المناخ تتضمن في جوهرها صياغة وتنفيذ السياسات واللوائح والاستراتيجيات على المستويات المحلية والوطنية والدولية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وبناء القدرة على التكيف مع آثار تغير المناخ. وهذا يتطلب التنسيق بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني والأفراد لتحقيق نتائج ذات معنى.
أما على الساحة الدولية، فتشكل اتفاقيات مثل اتفاق باريس، معالم حاسمة في إدارة المناخ، كما تحدد مثل هذه الاتفاقيات أهدافا عالمية للحد من الانبعاثات وتوفر إطارا للدول للتعاون ومحاسبة بعضها البعض. ولكن الإدارة الفعالة لهذه الاتفاقيات تتطلب مفاوضات دبلوماسية وشفافية وآليات لرصد التقدم والإبلاغ عنه.
وعلى المستوى الوطني وهو الأهم، تتولى الحكومات مهمة ترجمة الالتزامات الدولية إلى سياسات قابلة للتنفيذ. وينطوي ذلك على تحديد أهداف لخفض الانبعاثات، وتحفيز التحولات إلى الطاقة النظيفة، وتنفيذ اللوائح التنظيمية للحد من الانبعاثات الصادرة عن قطاعات مثل النقل والطاقة والزراعة، حيث تتضمن الإدارة القوية للمناخ أيضًا تعزيز الابتكار وتقديم الدعم للمجتمعات الضعيفة التي تتأثر بشكل غير متناسب بتغير المناخ.
وأرى أن أهمية الحكم المحلي لا تقل أهمية، حيث إن المدن والمناطق غالبا ما تكون في الخطوط الأمامية لتأثيرات المناخ. وقد أوضحت هذا الأمر مرارا بصفتي رئيسًا لاتحاد التحضر المستدام في نيويورك، حيث يمكن للحكومات المحلية أن تعمل على تعزيز التخطيط الحضري المستدام، والنقل العام، والبنية التحتية الخضراء، وهو ما لا يقلل من الانبعاثات فحسب، بل يعمل أيضا على تحسين نوعية الحياة والقدرة على الصمود.
ورغم أن إدارة المناخ لا تخلو من التحديات، سواء كانت نتيجة لتقاعس الإرادة السياسية، أو لتعارض المصالح الخاصة، أو للاعتبارات الاقتصادية قصيرة الأجل، والتي يمكن أن تعيق التقدم، تبقى الحاجة للعمل واتخاذ القرار السريع والتنفيذ ملحة للغاية.
طلال أبوغزاله