تواصل الصراع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين

19 أكتوبر 2023

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

الولايات المتحدة والصين مشغولتين في صراع تقني مستمر أثر على مصالحهما الاقتصادية والسياسية والأمنية لبعض الوقت. فالبلدين نهجين مختلفين للحصول على الأفضلية في سباق الابتكار العالمي، والذي يعتبر حاسمًا لتطورهما وتأثيرهما المستقبلي. استخدمت الولايات المتحدة تدابير قسرية للضغط على الصين لتغيير سلوكها وممارساتها التي تعتبر غير عادلة وتشكل تهديدا عليها، بينما ركزت الصين على التنمية الاستراتيجية لتعزيز قدراتها التكنولوجية وبيئة الابتكار الخاصة بها. وقد أدى ذلك إلى تحقيق إنجازات كبيرة وتحديات لكلا الجانبين، فضلا عن الاَثار غير المباشرة على فرص التعاون لبقية العالم.

كما تتبنى الولايات المتحدة سلسلةً من الإجراءات لمواجهة صعود الصين كمنافس ومتحدِّ في المجال التكنولوجي، كفرض رسوم جمركية على واردات الصين، وفرض عقوبات على الشركات والمسؤولين الصينيين، وتقييد الاستثمارات والاستحواذات الصينية، وحظر التطبيقات والمنصات الصينية. وتدّعي الولايات المتحدة أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية وقيمها من الانتهاكات المزعومة التي تقوم بها الصين لحقوق الملكية الفكرية وحقوق الإنسان وقواعد التجارة والعقوبات. ومع ذلك، تسببت هذه الإجراءات أيضًا في أضرار اقتصادية وتوتر دبلوماسي ونزاعات قانونية بين البلدين، وأثرت كذلك على البلدان والمناطق الأخرى المشاركة في التجارة وسلاسل الإمداد معهم.

تتعامل الصين مع الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة من خلال اتباع استراتيجية لتطوير قدراتها التكنولوجية ونظام الابتكار الخاص بها، تشمل وضع أهداف واستراتيجيات طموحة للقطاعات والتقنيات الرئيسية في خططها الخمسية، وتنفيذ مبادرات سياسية صناعية عن طريق تقديم الدعم المالي وتخفيض الضرائب والقروض التفضيلية للشركات المحلية ومعاهد البحث، بالإضافة إلى تعزيز التكامل بين الجانبين العسكري والمدني من خلال دمج التطبيقات الدفاعية والمدنية. وقد أسفرت هذه الاستراتيجية عن تحقيق إنجازات هامة في مجالات مختلفة مثل تكنولوجيا الجيل الخامس الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، والتكنولوجيا الحيوية، الأمر الذي أدى إلى تعزيز قدرة الصين التنافسية في السوق العالمية. ومع ذلك، أثارت هذه الاستراتيجية مخاوف بشأن شفافية الصين ومساءلتها ومعاييرها الأخلاقية في التطوير التكنولوجي.

أحد الحالات المثيرة للاهتمام تتمثل في نجاح شركة هواوي (Huawei) في إنشاء هاتف ذكي يتنافس على قدم المساواة مع هاتف آيفون(iPhone) من شركة (Apple)، والذي يستخدم شريحة محلية الصنع تسمى كيرين 9000. وما ذلك إلا نتيجة للاستجابة الاستراتيجية للصين لحملة الولايات المتحدة العدوانية لتقييد الأعمال الأساسية لشركة هواوي واعتمادات سلسلة التوريد الخاصة بها. كما ردت الصين على ذلك بالاستثمار الكبير في صناعة الشرائح الخاصة بها وتطوير أنظمة تشغيل ومتاجر تطبيقات بديلة، ما يظهر بوضوح قدرة الصين على التغلب على ضغوط الولايات المتحدة وتحدي هيمنتها في سوق الهواتف الذكية عالية الجودة. وهناك أمثلة أخرى كثيرة على المنافسة القائمة بين الصين والولايات المتحدة في العديد من المجالات والقطاعات الأخرى.

الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين لا تقتصر فقط على المنافسة الاقتصادية، ولكنها تتعلق أيضًا بالتنافس الأيديولوجي والجيوسياسي. فالولايات المتحدة تعتبر الصين منافسًا استراتيجيًا يتحدى قيادتها العالمية وقيمها، في حين تعتبر الصين الولايات المتحدة قوة هيمنة تحاول كبح صعودها والتدخل في شؤونها الداخلية. وتعكس الحرب التكنولوجية رؤاهما ومصالحهما المختلفة بشأن مستقبل التكنولوجيا ونظام العالم. كما تؤثر الحرب التكنولوجية أيضًا على توازن القوى والتحالفات بين الدول والمناطق الأخرى، حيث يتعين عليها التنقل بين الجانبين والتعامل مع نتائج أفعالهما وتهديداتهما التي تزيد من تفاقم الاختلافات القائمة بين هياكل القوة العالمية مثل تحالف مجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة وتحالف بريكس بقيادة الصين.

في عالم التطور التكنولوجي المتزايد، أرى أن هناك مجالًا للتعاون في مسائل مثل تطوير الأطر العالمية والمعايير متعددة الأطراف لمواجهة التحديات والمخاطر التي تشكلها التقنيات الناشئة، مثل خصوصية البيانات، والأمن السيبراني، وحقوق الإنسان، والمعايير الأخلاقية. هنالك أيضًا إمكانية التعاون والابتكار في المجالات ذات المصالح المشتركة، مثل التغير المناخي والصحة والتعليم والتنمية. يجب أن لا يُنظر إلى الحرب التكنولوجية على أنها لعبة تصفية، بل يجب أن تُعتبر تنافسًا معقدًا يتطلب مشاركة بناءة واحترام متبادل.



طلال أبوغزاله