قلب العروبة لا يزال ينبض.. رغم كل الجراح

10 أكتوبر 2023

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

 من الواضح أنّ سوريّة لم تسلم بعد من الاستهدافات التي بدأت قبل عقد ونيّف من الزمن باسم "الربيع العربي" كشعار معلن، لمعنىً آخرَ مبطّنٍ لمفهوم "الخراب "، الذي طال معظم أرجاء الوطن العربي الكبير، ولم ينتهِ تأثيره السلبي حتى يومنا هذا، ولأنّ الدور السوري يختلف قوميّاً عمّا عداه، وذلك لموقع سوريّة الاستراتيجي كونها الأقرب جغرافيّاً إلى "فلسطين "، الأمر الذي جعل منها الداعم الأساس للمقاومتين اللبنانية والفلسطينيّة، وهذا ما ترفضه "إسرائيل " رفضاً قاطعاً وباتاً، وهو الأمر الذي يزيد من عداوتها وغطرستها تجاه سوريّة التي أبتْ توقيع اتفاقيّات السلام، وعارضت التطبيع بجميع أشكاله ما لم تنلْ فلسطين كامل حقوقها.

هذا الموقف المشرّف جعل سوريّة تتكبّد الضربة تلو الأخرى من قِبَل الكيان الصهيوني الغاصب المعتدي المحتلّ، وذلك لليّ ذراعها وكسر إرادتها، وضعضعة مواقفها، وشقّ صفوفها، وتمزيق اللُحمَةِ الوطنيّة ، وكل ذلك هو نتيجة حتميّة لدورها المشرّف الصَلْب في تبنّي القضيّة التي تخلّى عنها الجميع، بمن فيهم قسط غير قليل من أبناء الشعب الفلسطيني للأسف!

لهذا عانتْ سوريّة وستعاني المزيد والمزيد من الغدر، والخيانة، والاستهداف والتربّص، بأمنها وأمانها وهدوئها واستقرارها واقتصادها وفي، الاقتصاد تكمن "الطامّة " الكبرى، لكنّها لطالما عرفت كيف تجد حلاً لمعادلة الاكتفاء الذاتي بمهارة وثقةٍ واقتدار؛ لأن سوريّة تُدرك جيّداً، وتعلم عِلْمَ اليقين ما يترتّب عليها من أثمانٍ باهظة لمواقفها المشرّفة، لكنّ لسان حالها يقول: كل صعب يهون لأجلكِ فلسطين.

لا شكّ أنّ درب الآلام طويلٌ وشاقٌّ ومضنٍ على حاملِ الصليب، هكذا حال سوريّة التي حملت القضيّة الفلسطينيّة كصليبٍ عسير، والمجرم لا يملّ المحاولة لتركيع سوريّة، وتأنيبها المتواصل ليُثْنِيها عن مواقفها، ولكن هيهات على الأُباة الذِلّة! بل كل ضربة موجعة تمهّد السبيل أمام سوريّة لإرادةٍ أكثر صلابة.

قطعاً ما حصل في الكليّة الحربية اعتداء يندى له الجبين، وأجزم بأنه فعل جبان غادر غاشم، وعلينا أن نسأل ألف سؤال وسؤال عمّن وراء هذا الاعتداء السافر الدنيء..؟! من المستفيد..؟! غير الصهيونية وأعوانها، ومن لفّ لفهم.
لا شكّ أنّ السهم الغادر المسموم بالسياسات المُضلِّلَة، الذي توجّه بالأمس القريب إلى خاصرة سوريّة الحبيبة، ونحر شبابها الخرّيجين الجُدد، والبعض من أهاليهم الذين حضروا لمشاركتهم الاحتفال والبهجة، في الكليّة الحربيّة في مدينة حمص.. أدمانا وأدمعنا وآلمنا وأوجعنا، ووضعنا على منصّة الأسئلة التي لا تنتهي.. بين: لماذا وكيف ولِمَ ؟!

لقد دفعت سوريّة وما تزال الأثمان الباهظة حين تمسّكتَ بجمر اليقين الذي يقضي بتحرير فلسطين وإنْ بعد حين، وهذا حلم كل مواطن عربي أصيل، وحلم سوريّة الدائم الطويل لهذا لم تساوم، ولم تتنازل، رغم كل الإغراءات المتوفّرة، أعلم أنّ الكلام إن قلّ هنا أو كَثُر لن يخفف من هول الفاجعة التي نزلت في الصميم السوري عبر مدينة حمص،..لكنني أعلم أكثر.. أنّ سوريّة في مواجهة الامتحان الصعب، الذي طال أمده منذ عقد ونيّف، تحتاج أن تجدَ الحليف النظيف، والصديق الصدوق، والرفيق الحقّ، وأن تسمع الكلمة الطيّبة الصادقة، وكلمتي البسيطة هذه، لن تمسح حزناً ربّما عن قلب أمّ مفجوعة، ولن تشفي جراحاً عميقة بالتأكيد.   

لهذا لا يسعني القول سوى: رحم الله شهداء سوريّة، "شهداء " الوطن العربي الكبير الذي أرجوه دائماً وأبداً أن يصبح وطناً واحداً لا تعزله الحدود الشائكة، ولا السياسات المتناقضة، ولا العلاقات الدولية المغرضة وليس هذا على ربّنا بعزيز.

وأخيراً وليس بآخر أرجو الله العليّ القدير أن يجعل هذه الكارثة المريعة التي هزّت كياني العربي، وأربكت إنساني الهَرِم حدّ الوجع وحدّ الذهول...لكارثة المدبّرة بآيادٍ آثمة، التي حلّت بسوريّة الحبيبة.. أن يجعلها خاتمة لأحزانها، وأحزان شعبها الطيب النبيل، وفاتحةً لاستقرارها القريب، اللهمّ آمين.

بقلم: الدكتور طلال أبوغزاله