استمرار هيمنة الدولار الأمريكي
08 أكتوبر 2023عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي
سبق أن كتبت عن المساعي المعقودة على زعزعة مكانة الدولار، كعملة الاحتياطي الدولي، وهس المكانة التي أكسبت الولايات المتحدة، ما لها من نفوذ جيوسياسي بالغ. فقد ناقشت مجموعة دول البريكس، ما لديها من بدائل لتستغني من خلالها عن الدولار، وتقوض بها آثار ما فرضته الولايات المتحدة على دولها، من عقوبات. وكانت الصين وعملتها الرينمينبي، بما خطته في الأعوام الراهنة من خطوات، تجاه التحرر والتحول لعملة دولية، هي الحالة الأبرز في هذه المساعي.
إلا أن على وجهات النظر الدائرة حول مستقبل النظام النقدي الدولي، أن تأخذ في اعتبارها ما في التشبث بالدولار الأمريكي من مغريات شديدة، إحداها ما يتمتع به من ثبات في النظام المالي الدولي. فلن يكون استبداله، بالأمر الهين. وذلك بقدر ما، لانتفاء البديل الذي يلقى الشيوع والقبول نفسه على المستوى العالمي، حتى وإن كان الدولار نفسه، يواجه من المخاطر والتحديات، ما قد يؤدي لزعزعه مكانته مستقبلا.
أما الصين، فهي ثاني أكبر اقتصاد عالمي، مثلما هي الشريك التجاري الأكبر للعديد من الدول. وقد بذلت جهدا جهيدا لاستخدام الرينمينبي كعملة للتجارة عبر الحدود، وللاستثمار، وللتمويل. فتزايدت حصته في الاحتياطيات وفي المدفوعات الدولية تزايدا مستمرا. إلا أن ذلك لم يسد الهوة ما بينه وبين الدولار الأمريكي.
نعم تؤثر التوترات السياسية الدولية، على السياسية الخارجية الأمريكية، وعلى علاقاتها بغيرها من البلدان. ويأتي ذلك نتيجة ما يجري في العالم من صراعات ونزاعات، ثم ما تشهده الولايات المتحدة نفسها من استقطاب وانقسام، قــوضا الثقة في قيادتها، وفي التزامها بالتعاون مع غيرها. ومع ذلك لم يبطل هذا ما للدولار على منافسيه، من مزايا عدة. إذ وفر المزيد من الاستثمار لاقتصاد الولايات المتحدة وأسواقها المالية، ولذلك وفر السيولة والرسوخ والتنوع والأمان للمستثمرين. فجنب ذلك للدولار منفردا، ما نسبته 59% من احتياطي النقد الأجنبي على مستوى العالم، وفقا لصندوق النقد الدولي. وهي نسبة شتان ما بينها وبين نسبة (21%) التي لليورو، أو نسبة (6%) التي للين الياباني، أو نسبة (2%) للرينمينبي.
وعلينا أن لا نقلل من دور الدولار الهام على صعيد البضائع والتجارة على المستوى الدولي كونه يحظى بقبول ورغبة الـمصدرين والــمستوردين على مستوى العالم كعملة أساسية للمدفوعات. هذا إضافة لاستخدامه كعملة فوترة، لأغلب الفواتير والتعاقدات الدولية، ولارتباط أسعار سلع كالنفط والذهب به، إذ لا تزال أسعارهما في الاسواق الدولية، تحدد به.
إن من
شأن جميع هذه العوامل أن تزيد الطلب على الدولار. فمن المتوقع أن يبقى الدولار
عملة الاحتياطي الدولي، ملجأ آمنا خلال المستقبل القريب، إلا أن تطرأ تغيرات جسيمة
على الاقتصاد الدولي، وعلى الأوضاع السياسية الدولية.
طلال
أبوغزاله