أفريقيا والوعد الاقتصادي القادم
28 سبتمبر 2023عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي
بعد ثلاثة عقود من الآن، تستعد أفريقيا لأن تصبح لاعبا محوريا على الساحة العالمية، حيث يقيم ربع سكان العالم في هذه القارة التي طالما كان ينظر اليها من خلال الأفكار النمطية قصيرة النظر وروايات البهتان التي عفا عليها الزمن.
في عيون الكثيرين، كانت قارة أفريقيا محاصرة في مستنقع ثالوث الفقر، والتخلف، والصراعات الأبدية، ومع ذلك، تكمن تحت سطح هذه التحديات طاقة ديناميكية جامحة تطفو الآن على السطح لأمة ترفض أن يتم تعريفها فقط من خلال مصاعبها الماضية.
أحد أعمق التحولات التي تحدث في أفريقيا هو الثقل الديموغرافي فبحلول عام 2050 سيبلغ سكان القارة حسب توقعات الأمم المتحدة، 2.5 مليار نسمة، غالبيتهم من الشباب.
وهذه في الحقيقة ليست مجرد أرقام صماء، بل عائد ديموغرافي يقدم لأفريقيا فرصة وتحديا فريدين، فطفرة الشباب، مع ما تنطوي عليه كقوة عاملة نابضة، هي مفعمة بالسعي للأمام والابتكار. لذا أقول إن القدرة على تسخير هذه الإمكانات الهائلة من الممكن أن تعيد تشكيل المشهد الدولي برمته، والاقتصاد العالمي وليس أفريقيا لوحدها.
وبالتزامن مع الفرصة السكانية العظمية، يكتسب التحول الاقتصادي في القارة زخما جديدا، فهي تنام على كنز من الموارد الطبيعية بما في ذلك النفط والمعادن والمساحات الشاسعة جدا من المراعي والأراضي الصالحة للزراعة. لكن وللأسف تاريخياً تم استغلال ثروات أفريقيا ضد أفريقيا نفسها، ولم تجني القارة سوى المصائب والاستعمار والاستبداد بدلا استغلالها لتحقيق التنمية الخاصة بها.
ولا يخفى على أحد، أنه لعقود طويلة، تعرضت احتياطيات أفريقيا الهائلة من المعادن والنفط والمنتجات الزراعية للنهب من قبل الدول الغربية، وغالباً ما كان ذلك على حساب شعوب القارة، فجنى الغرب أرباحاً هائلة وترك المجتمعات المحلية فريسة للفقر والفساد والصراعات الأبدية، بل يمكن القول إن الغرب تقصد أدامة هذا الإرث المتعدد والعميق من التفاوت الصارخ، والتدهور البيئي، وعدم الاستقرار السياسي، وقد خلقت هذه العوامل أرضاً خصبة للسخط والعنف، الأمر الذي قاد اليوم لوقوع ثمانية انقلابات خلال ثلاثة أعوام.
إذن تشهد أفريقيا تحولات كبيرة، وقد أثارت هذه التغيرات صراعاً على النفوذ بين القوى العظمى في العالم، فالنمو السكاني في القارة، والموارد الهائلة، والإمكانات الاقتصادية المتزايدة، جعل منها نقطة محورية للمنافسة الجيوسياسية، حيث يدور الصراع بين القوى العظمى بطرق مختلفة في جميع أنحاء أفريقيا، وفي بعض البلدان، هناك منافسة واضحة بين الولايات المتحدة والصين، وفي بلدان أخرى، تحاول روسيا تأكيد نفوذها وفي بلدان أخرى، يحاول الاتحاد الأوروبي بشق الأنفس خاصة فرنسا الحفاظ على علاقاته التقليدية.
صحيح أن أحد العوامل الرئيسية التي تحرك هذا التنافس هو الوعد الاقتصادي الذي توفره أفريقيا، لكن المنافسة لا تقتصر على المصالح الاقتصادية وحدها، فهناك حسابات عسكرية واستراتيجية، وهناك أيضا تدافع دبلوماسي على النفوذ للحصول على دعم الدول الأفريقية التي تتمتع بصوت متزايد في المنتديات الدولية والتي من الممكن أن يؤثر تحالفها مع القوى الكبرى على القرارات العالمية.
وفي خضم هذه التحولات والصراعات، تواجه الدول الأفريقية التحدي المتمثل في الحفاظ على سيادتها وضمان ترجمة الارتباطات الأجنبية إلى فوائد ملموسة لمواطنيها، من خلال شراكات منصفة متوازنة تعطي الأولوية لمصالح دول وشعوب القارة والتنمية المستدامة فيها، بدلا من مجرد خدمة طموحات القوى الخارجية.
من المرجح أن يستمر الصراع بين القوى العظمى لبعض الوقت، ومع ذلك، فإن التحولات التي تشهدها أفريقيا تمنح القارة المزيد من النفوذ في هذا الصراع، إذ لم تعد لاعبا سلبيا في النظام العالمي، بل قارة ديناميكية تملتك فرصة ذهبية لإعادة تصور مستقبلها، أي مستقبل أقل اعتمادا، وأكثر ازدهارا، وأقل ضعفا، وأكثر عدلا واستدامة ومرونة، بشرط إيجاد السبل لتسخير مواردها لصالح جميع شعوبها، مع تجنب العواقب السلبية التي شهدتها في الماضي، وهذا يتطلب حكماً رشيدا، وسياسات جيدة، وتعاوناً دولياً.
طلال أبوغزاله