أبوغزاله.. صوت الأمّه وصدى الإنسانية وضميرها الحيّ بقلم: غادا فؤاد السمّان
20 يناير 2023يُقال أن العقول الصغيرة تناقش الأشياء، والعقول المتوسطة تناقش الأشخاص، والعقول الكبيرة تناقش المبادىء، وبوسعي أن أضيف وبكثير من الثقة، ووفير من الجرأة أن طلال أبوغزاله تجاوز العقول الكبيرة بأشواط وأشواط حين يشاء النقاش، بل يناقش المفاهيم بعناوينها العريضة، يناقش القضايا، يناقش الأزمات وهي أبلغ النقاشات وأهمّها على الإطلاق، فهو ككل العلماء مهجوس اليوم بالاحتمالات الكارثيّة للأرض ومن عليها من إنسان ونبات وحيوان وحتى جماد، يطال البناء والحجر، فهو وحسب تقديرات الدكتور طلال نتيجة الإطلاع الواسع، والاستقراءات الشاسعة للمعطيات الدائرة على العديد من الأصعدة، يستنتج وبكثير من المسؤولية التي حملها على عاتقه، أنه ربما لن يسلم العمران في السنوات القادمة، وربما قد تُمحى معظم المدن الواقعة على السواحل القريبة، بسبب التغيُّر المناخي، وانهيارات البيئة بكل ما أصابها من خلل في التوازن الحراري نتيجة الإحتباس بحكم التمادي الصناعي وعدم الاكتراث لمخلفات العوادم الحرارية التي أدخلت الطبيعة متاهة التلوث بأعلى مستوياته متجاوزاً جميع الخطوط الحمر، وجميع مؤشرات إعلان النفير للحدّ من انتشار التلوّث في كل مكان وخاصّة في عالمنا العربي الذي أثّر على منسوب المياه في كل من دِجلة في العراق، والفرات في سورية والنيل في كل من مصر والسودان.
لهذا علينا أن
نتابع هواجس هذا الرجل الأمين على مستقبل الأجيال العربيةّ، وأمين على مصير
المنطقة العربية، والعالمية كذلك من التغيّر الماخي، ويستشرف الدكتور طلال المرحلة
القادمة كحقيقة مُطلقة ومسلّم بها، أن القادم أسوأ حتما كنتيجة حتميّة للاستهتار
الحاصل إذا لم يراعِ أصحاب المعامل والمصانع الكبرى حاجة البيئة للصفاء وإعادة النظر
في جميع السياسات الصناعية المُتّبَعَةِ سابقاً، إذ ينبغي وضع خطط واستراتيجيات
حديثة تتلاءم والوضع الراهن للحفاظ على إعادة توازن الطبيعة، وهذا الأمر لن يتمّ
بغير التعاون المتكافىء والمتكامل بتقدير أبوغزاله على مستوى العالم.. لهذا هو لا
يتوقّف كغيره عند طرح المشكلة واجترارها بلا حول ولا قوّة، بل يجدّ ويجتهد في طرح
السؤال الفيصل "ما هو الحل ؟!.."، وهذا ما يميّز د. أبوغزاله كمفكّر
حقيقي وواقعي، عن سواه من مدّعي الفكر الذين يدورون دائماً في حلقاتٍ مفرغة لا
غير، بخلاف د. أبوغزاله الذي لا يستسلم لأيّة مشكلة مهما كانت طبيعتها ومهما بلغ
حجمها، بل يستأنف ويتابع الدكتور طلال ويقترح منادياً: "بوجوب تأسيس
مجلس "للحكماء" أو مجلس خبراء "عالمي"، كأحد الحلول، على
مستوى العالم؟! ويؤكّد بيقينيّة عالية بأنه إذا ما وجد هذا المجلس يمكن أن يصل
العالم إلى أبعد مما يستطيع أن يتخيّله عقل..".
وهنا أتفرّس في
رؤية الدكتور طلال طويلاً، وأحاول أن أنظر من ذات الزاوية التي أطلق منها هذه
الصرخة العميقة جداً وأحاول أن أفكّكها كقنبلة نووية ذات تأثير خارق دون ريب،
فكلّنا تربّى في ظلّ عادات وتقاليد وأصول ونُظُم واستراتيجيات عائليّة واسعة
النطاق، وقتها كان "الجدّ والجدّة" المرجعية الأساس لاتخاذ أيّ قرار،
وعندما كان يقع أيّ خلاف في أيّة عائلة كانت تعقد الإجتماعات الطارئة ويجري
الاستعانة بـ "كباريّة " الأهل وأحياناً الأصدقاء، كذلك عندما كان يقع
أيّ خلاف بين "الجِوار" يتمّ على الفور عقد جلسة استثنائيّة توكل فيها
ترأّس الجلسة لـ "كبارية" الحيّ، وأحياناً كان يمكن استقطاب
"إكباريّات" الأحياء المجاورة كما كانت تُدعى في سالف الزمان والمكان..
هكذا كانت تخضع
جميع الخلافات صغيرها وكبيرها لسلطة "الحكمة " والحنكة والعقل والمنطق
والدين والأخلاق والقِيَم والمبادئ والأصول.. لهذا كانت أول الهجمات الفعلية على
مجتمعاتنا هو هدم جدران العادات والتقاليد، ثم هدم جدران القِيَم والمُثُل العليا،
ثمّ هدم هيبة الأجيال إذ صار الطفل لا يقيم وزنا لوالديه، ولا يكنّ احتراماً
لجديّه، ثم سقط جدار الأخلاق فلم يعد الجار يأتمن جاره على ماله وعرضه وبيْته ومن
فيه، بل أصبحت العلاقات قائمة على المصالح أو العداوت لاغير، كل هذه الجدران التي
تهدّمت في مجتمعاتنا قادتنا إلى الخراب المشهود الذي نعيشه، وهذا الخراب بدأ ينتقل
من الأفراد إلى الشعوب وإلى الأمم، حتى صار العالم كله غير آمن ومهدّد في كل مكان
بمختلف أنواع الإنهيارات والحروب..
من هنا تأتي
أهمية نظرية الدكتور أبوغزاله بافتتاح "مجلس حكماء عالمي" يُعاد فيه
ومعه توازن الدول، بوسعه أن يضبط سلوكيات الشعوب، ويجنّب الجميع مغبّة الخلافات
المُتصاعدة بحدّة وعنف منقطع النظير، ويدرأ الأخطار عن السياسات الرعناء المنادية
بالحروب ناهيك عن تفاقم مصانع الأسلحة النوويّة الخطيرة جداً، أضف إلى المعامل
التي يتمّ فيها سرّاً وعلانية تصنيع الأوبئة الجرثومية التي لا ضمير يلجمها، ولا
رادع يعيقها، وأكثر التفاتة إنسانية يركّز عليها د. أبوغزاله ضرورة إيجاد الحلول،
للشعوب المتضرّرة من الأزمات الإقتصادية، والواقعة أصلاً تحت خطّ الفقر والمجاعة..
حقّاً ما أحوجنا
لهذا المجلس الذي نادى به طلال أبوغزاله، المجلس الذي يُمكن أن يقال فيه وعنه
الكثير، لكنني أكتفي بهذا السياق على أملّ، وعلى تفاؤل بالغد الذي يعوّل عليه
أبوغزاله بالشيء الكثير.