طلال أبوغزاله يقول: لَسْنَا حَالِمِيْن .. بَلْ جَادُّوْن

02 أغسطس 2020

د. مشيرة عنيزات
02-08-2020

قد يُولَدُ المَرءُ جاهلاً، ولكنّه لا يُولَدُ غَبيًّا، والتّعليم الخاطئ ينسلّ منه الإبداع والتّفكير المُستقلّ، حتى يصبح بعضنا مجرد دماغٍ محشوّة بمعلوماتٍ مُجهّزة، قد لا تفيده ولا تطوره، وهي في الأغلب "معلومات لم يخترها"، بل يقضي ما تبقى من عمره ظانًّا أنّ ما تعايش معه منذ زمن من ثقافات وعادات ومعلومات، هي من صميم أفكاره وقناعاته، بل ينقلُها إلى أبنائه وأحفاده، ونَسِيَ أنّها مجرّد أفكارٍ، تم زجّها في عقله منذ صِغَرِه؛ لذلك فإنّ جوهر الإصلاح التّربوي يبدأ من نُظُم التّعليم، وإن نواة الاستثمار الدّائم في التّعليم تبدأ من الصّغر؛ لأن الأطفال هم لَبِنَات المجتمع وفيهم الإبداع كامنٌ، وإن من واجبنا استنهاضه فيهم.

إن الكثير من دول العالم أثبتت نجاحًا منقطع النّضير في بناء عقول أطفالها وشبابها، وخير مثال على تلك الدول "الدّول الإسكندنافية" التي أصبح تعليمها يعتمد على "اللعب والاستكشاف واستخدام المُخيّلة"، كما أصبح سكّانها على اختلاف مراحلهم "أطفالا..وشبابا..وشيبانا" هم من أكثر الشّعوب سعادة في العالم، وإننا نحتاج إلى هذا النّمط التّعلّمي/التّعليمي في مراحل أطفالنا الأساسيّة؛ فالطفل في هذه المرحلة العُمْرية ليس بحاجة إلى الجلوس خلف الشّاشات والاندماج في عالمٍ وهميٍّ والانعزال عن محيطه، وأهله، وأصدقائه، مُتحجّجًا بالتّعلّم التّقنيّ/التّكنولوجي؛ لأنّه قد تجرّه جِلسته تلك إلى استنفاد طاقته في تجريب ألعابٍ من هنا وأخرى من هناك غالبًا، مما قد يُصيب عقله بالتّحجّر، ويجعله غير قادر على التّفكير أو التّخيّل.

يقول طلال أبوغزاله: "ولأن فنلندا نجحت في خلق أدوات للاقتصاد المعرفي، فقد أصبحت تحتلّ موقعًا قياديًّا في التعليم؛ إذ حوّلت التّعليم عندها نحو هذا الاتجاه، ولو قررنا اتباع النموذج (الفنلندي) لاستغنينا عن البنك الدّولي وصندوق النّقد الدّولي، ولما كان لدينا عجز، ولَمَا لجأنا إلى الاقتراض، ولَمَا تكوّن لدينا قلقٌ من المُظاهرات والبطالة، وإنّ اتباع هذا النّموذج هو الطّريق الأقصر للنّجاح؛ من أجل التّغلب على المشاكل... ولهذا السبب أنشأتُ (مُلتقى طلال أبوغزاله المَعرفي)، الذي حدّد هدفه الرّئيس، وهو [أن يُحقّق الأردن دخلاً قوميًّا إجماليًّا مقداره 280 مليار دولار بحدود العام 2040]".

إن (فنلندا) وبرغم صغر حجمها، وقلّة عدد سكانها، وضعف مواردها، فلقد استطاعت بثّ قدرات هائلة فيهم نحو الإبداع والابتكار، محققة اكتفاء ذاتيًّا، وسعادة قلّما نجدها عند نظرائهم!

ويرجع فضل ذلك إلى نظامها التّعليمي الذي صار مضرب مثل في دول العالم أجمع؛ فهي تَعُدّ التّعليم ليس فقط صورة لتزويد الطّلبة بالكتب وحشو المعلومة، ولكنّه ...عملية شاملة تتمثل في بناء الشّخصية، وتخريج قيادات مسؤولة، وإكساب الطّلاب المهارات الحِوارية، والحِجاجية، والنّقديّة، وتدريبهم على تقبّل الآراء.. فخرّجت مدارسُها عقولا ناضجة، وبَنَت اقتصادًا يفخر به أبناؤها، وزادت من رصيدها المعرفي والإنتاجي، فهنيئا للفنلنديين بـ (فنلندا).

فيقول طلال أبوغزاله أيضًا: "وما أود أن يعرفه العالم هو أننا ندرك ضرورة التّغيير اللازم من أجل جعل الأردن بلدًا أفضل، وأنا على قناعة بقدرتنا على إحداث هذا التّغيير..".

وحتى ننجح بالمعنى العميق... فنحتاج إلى التّغيّر العميق أيضًا، وإلى سنوات من التّأسيس، وإلى جودة في البِنية التّحتيّة، وإلى منهاج إلكتروني مُتطوّر، ومُجرَّب، وقابل للقياس والتّقويم، وإلى أساتذة مُدرّبين بصورة تجعلهم قادرين على تحقّق المطلوب.
كما نحتاج إلى تقييم عادل يعكس مستوى المُتعلّم/ المُتلّقي، وهي ليست بالأمور الصّعبة، فمَنْ جعل (فنلندا) تصل إلى ما هي عليه الآن، قادر على أن يجعل الأردن بيئة تعلّميّة/ تعليميّة مُهيَّئة ومحفّزة للإبداع والابتكار، ومُصدِّرة لأفضل نُظُم التّعليم في العالم، ونحن لسنا حالمين... بل جادون "واللهُ على كل شيء قَدير".