طلال أبوغزاله يقول: الشمس لا يحجبها الغربال

19 يوليو 2020

د. مشيرة عنيزات
19-07-2020

لا أخفيكم سرًا، أنني كنت ممن يعتقد أن "التعليم عن بعد" سيجعلنا في طليعة الدول الكبرى، بل سنتفوق على اليابان وفنلندا وكوريا وسنغافورة أعني – تعليميًّا -، وكنت أعتقد أن التعليم الإلكتروني سيبتكر طريقة جديدة في تلقي الدروس وطريقة أخرى في حل الواجبات، وثالثة لأداء الامتحان ورابعة للإجابة عن أسئلة المعلم بسرعة دون حاجة إلى عناء التفكير ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه!

إن التعليم عن بعد يا سادة، لا يأتي عنوةً ولا يُساق بالقوة، بل يأتي من بنية تحتية معدة ومؤهلة وتدريب مسبق ودورات مكثفة على استخدام التكنولوجيا في التعليم ويأتي من معلمين مجندين بدورات وأساليب واستراتيجيات حديثة للتَعَلّم عن بعد.

لقد حمّلنا أنفسنا ما لا طاقة لنا به، بتجربة فرضتها وأجبرتنا على تحمّلها الظروف، وخرج الطلاب من التعليم عن بعد دون تعليمٍ يُذكر.

لا شك أن أغلبكم أصبح يعلم أن هذه العملية كشفت الستار عن الفارق والفجوة العميقة بين مستوى الطالب، ومعلمه في استخدام التكنولوجيا وسبّبت إرهاقا شديدًا للمعلم من حوسبة للمادة والامتحانات والواجبات وتحميلها إلكترونيا على الموقع التعليمي، إلى مواظبة غير منظمة على تلقي إجابات طلبته، وإرسال الردود إليهم، فسوء تواصل بين المعلم وطلابه و"ضاعت الحلقة" ولم نمسك بطرف الخيط!

يقول طلال أبوغزاله: "الآن نتيجة لعصر المعرفة يعُاني الأستاذ من الطالب في المدارس الابتدائية، فالطالب متفوق على أستاذه. هذا الطالب الذي لا يتجاوز عمره ست سنوات قد دخل عالم المعرفة الذي لم يدخله الأستاذ، واطلع على ما يجهله الأستاذ".

لست ضد المعلم، ولست ضد هذه التجربة بالعموم؛ لكننا غير مجهزين لهذا النوع من التعليم، فنحن في حالة استثنائية ومجبرين على قبولها، وإن البداية المتأخرة أفضل من الوقوف التام.

ولكنني ضد الذين يُصرّون على المبالغة في مدح عملية التعليم عن بعد ونجاحها بوصفها بديلا للتعليم التقليدي.

أتراهم يعلمون أن ابناءنا لم يجنوا من التعليم عن بعد سوى جلوسهم خلف جهاز إلكتروني! يستمعون فيه لدرس وشرح تقليدي ولكنه إلكترونيا وعن بعد.

أتراهم يعلمون بأن المرحلة الابتدائية هي مرحلة تعلّم مهارات الكتابة والقراءة والتحدث والاستماع؟

أتراهم يعلمون أن مرحلة رياض الأطفال هي مرحلة الاندماج الاجتماعي والخروج لعالم آخر يستكشف فيه الطفل مكانًا يتعلّم التأقلم فيه!

وبذلك يعدّ تعليمهم عن بعد عملية لا تُغني ولا تسمن جوع! عدا ما يخصّ الجانب المعرفي، وتعدّ عملية التعلم الحقيقية قد توقفت حُكمًا، أما أن يتظاهر الطلبة بأنهم يَدرسون! ويتظاهر المعلمون بأنهم ُيدَرّسون! ويأتي المنّظرون ليقوموا بلعب دور المصدّق الأمين، ويحكمون على العملية بنجاحها، فأي منقلب ينقلبون!