عُقُولٌ مِنْ ذَهَب

17 يناير 2021 د.عماد الخطيب
لقد بدأ تاريخ لعبة الشطرنج مع الآلة مبكّرًا؛ حين تغلّبَ بطل العالم في اللعبة – الرّوسي-على الآلة التي اخترعتها لهذا الغرض شركة (آي بي أم)، ثم تبع ذلك تفوّق الآلة عليه، لأول مرّة، والآن نحن في عصر "الآلات لاعبات الشطرنج!" إذ تتفوق فيه الآلة اللاعبة للشطرنج على آلة أخرى، وقد تلعب الآلة مع نفسها، وقد تتفوق على نفسها!
والمسألة ليست سِحرًا؛ لأن الكمبيوتر يقرأ الاحتمالات الممكنة لحركات أحجار الشطرنج كلّها، فيأخذها طولا وعرضًا، ويدرس احتمالاتها بسرعة تتفوّق على سرعة الإنسان طبعًا، فيُحرّكَ الاحتمال الأكثر نجاحًا! وإن قراءة لاعب الشطرنج الآلي لحركات أحجار الشطرنج تشبه –إلى حدّ ما– "القراءة الذّكيّة" لمفكّري العالم اليوم لمستقبل عالمهم، وإنها "عقولٌ من ذهب" تلك التي وظّفت قدراتها الذّهنيّة لصالح إسعاد نفسها، وإسعاد الآخرين، وتسهيل أمور حياتها، وحياتهم.. رغم أنها تزداد تعقيدًا كلما تقدّمت الحياة في ثوانيها.
فهل سيبقى لـ"لإنسان التقليدي"، في القادم من الزّمان مكانٌ على الأرض في ظل "عصرٍ ذكيّ"؟
إنها (عقولٌ من ذهب) تلك التي ترسم صورة تتفوّق على مجرد (العيش الكريم) إلى (العيش الذّكيّ)، فها هي حياة جديدة قادمة، ستستبدل كل ما هو تقليديّ بعيش جديد تتطلبه صورة العيش الذّكيّ بكل تفاصيله التي بدت تتبين يومًا بعد يوم.
وإننا إذ نراهن أمام هذا العصر الذّكي، القادم لا محالة، فإننا نراهن على طريقة عيش جديدة غير مألوفة، ونراهن على قيادتنا لمستقبلنا.. ولن يتم كسْب الرّهان إلا إذا احترفنا فنّ "قراءة المُستقبل" في ظل التّسارعات الكونيّة!

فيعلمنا طلال أبوغزاله أن الأمر لن يطول، وأن الإنسان التّقليدي (غير الذّكي) سيجد نفسه بين أمرين، إما الحرج من تأخرّه عن استخدام موارده بطريقة ذكيّة، وإما لتجاوز أقرانه له، بعدّه (شخصًا) غير صالح للعيش في عصرهم "عصر الأذكياء"!
فلا تبقَ خلف الأشياء.. تجدّد.. وتحرّر.. ومثّل نفسك.. وكُن عقلك.. فما تبنيه بعقلك، فستجنيه بيديك... لا تُكَتّفْ يديك، ولا ترض بما أنت عليه لمجرد أنك وُلدت معه، طِرْ حيث السّحاب، ولا تقبلْ دونه مكانًا... فإنّك تملكُ طاقةً سِحرًا قادرتين على تحويل حياتك، والانتقال بك إلى حيث تريد، فما من أحدٍ يعيش دون طموح، ومهما بلغت الأزمات، فأنت تملك المفتاح لتحقق ما تحلُم به، ولن يُحقّق لك أحدٌ حلمك إلاك، وبعقلك وحده تقدر أن تَهَبَ لنفسك التّرياق السّحري القادر على "تحويل الرّمال بين يديك إلى ذهب".
ويعلمنا طلال أبوغزاله أنّه على كل إنسان أن يخطّط لرسم صورة "مستقبله" بذكاء، وأن يتطلع إلى الإنجاز والابتكار والإبداع والمبادرات التي يتفوق من خلالها ويصل إلى عتبة المركز الأول في العالم، ويقود الناس خلفه، فكما قدنا العالم فيما مضى من زمان، فيحق لنا أن نقوده في القادم من أيام.
لم نكن نتوقع في أحسن الأحوال أن الإنسان سيغار من الآلة التي اخترعها بسبب تفوقها عليه!
إنّه يشكّ في أهمية بقائه ووجوده؛ فتحيط به رغبات مزيجة من السيطرة والاستفادة من الآلة معًا، فمن جهة يريد لآلته أن تتفوّق، وتساهم في عيشه الذّكيّ، ومن جهة يريد لنفسه أن يبقى مُسيطرًا عليها!
وليس من الحكمة أن تُقنِع نفسَك بأنّك تعيش في "زمن الأذكياء" لمجرد أنّك حوّلتَ عالمك إلى أرقام؛ لأنّك ستتحول إلى رقم من هذه الأرقام، وقد لا تكون الرّقم الأذكى بين كلّ تلك الأرقام.. إلا إذا خبرت المعرفة وتجهّزت جيدٍا للعيش في زمن الأذكياء، وأتقنتَ ما يتقنه أصحاب العقول من ذهب، أولئك الذي يصنعون المستقبل ولا يتصادفون بوجوده بينهم وشتان ما بين الاثنين!
فيعلمنا طلال أبوغزاله أنه لا اعتراف في مستقبلنا الذّكيّ بإنسانٍ لا يتخذ من الذّكاء منهج حياة، وأنّه مِنَ الذّكاء أن تُحوّل النّقمة إلى نعمة، ومن الذّكاء أن تستثمر أي فرصة لصالحك، ومن الذّكاء أن تُولّد الفُرصَ من أقلّ مشهدٍ أو حدثٍ في حياتك، ومن الذّكاء أن ترسم (سيرة حياتك) وألا ترض بأن تُفرض عليك، ومن الذّكاء أن تحوِّل كلّ أغراضك إلى وسائل تستفيد منها، وألا تكون عبئا عليك، لمجرد انتمائها إليك، وأخيرًا فمن الذّكاء أن تقبل فيما بين يديك، ولكن لا تتوقف عن الحُلم بمستقبلٍ أفضل مما هو بين يديك.