الملكيّة الفكريّة و طريق الحَرير الجَديد

09 يناير 2021 د.عماد الخطيب
لم تعد "الملكية الفكرية" مجرد حماية لأصحاب الحقوق، فقط.. بل تسببت في حرب بين قطبي العالم العملاقيين الاقتصاديين (أمريكا والصين)، بسبب ما صرح عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: من أن الصين سرقت الولايات المتحدة الأمريكية، يعني سرقة ملكيتها الفكرية لما تنتجه وتصنعه.

يعلمنا طلال أبوغزاله كخبير ملكية فكرية، أن موضوع الملكية الفكرية كان قد شغل فكره منذ أكثر من نصف قرن، وأنه من المحظوظين؛ إذ كان قد حضر مؤتمرًا في الولايات المتحدة الأمريكية – سان فرانسيسكو، بتنظيم من (تايم وارنر) وكان موضوعه عن حقوق الملكية الفكرية، وفي ذلك اليوم بالنسبة له كان أول مرة يسمع عن شيء اسمه "الملكية الفكرية" مما جعله يحتاج إلى أن يفهم ما هو الموضوع، وعندما بحث ودرس عن هذا الموضوع بعد انتهاء المؤتمر، أدرك أهميته، ووصل إلى قناعة أن الملكية الفكرية هي الطريق إلى صنع الثروة والتقدم والتطور في الدول، والطريق إلى القوة الاقتصادية، فلا يوجد من يستطيع أن يقدر حجم أهمية هذا الموضوع، ثم قام بالمساعدة على مدى نصف قرن في صياغة الكثير من القرارات المتعلقة بالمشاريع المتعلقة بقوانين الملكية الفكرية في البلاد العربية وخارجها.

بدأت الملكية الفكرية بالظهور مع بداية الثورة الصناعية، التي أوجبت حماية للمنتجات التي تصرف عليها الدول ميزانيات؛ كي لا يقلدها أحد، وتنقل الاسم بين الملكية التجارية أو الملكية الصناعية واستقر الآن عند مسمى "الملكية الفكرية"؛ لأن كل اختراع أو ابتكار هو من نتاج الفكر، ولذلك فحمايته هي حماية لحقوق الملكية الفكرية له. وإن حماية حقوق الملكية الفكرية تشمل حماية الاسم التجاري، والعلامة التجارية.

إن من جوانب حقوق الملكية الفكرية ما يسمى بـ (Patents) حقوق الاختراع أو براءات الاختراع سواء أكان دواء، أو طعامًا، أو كتابًا، أو آلة، أو كل نوع من الإنتاج فيه مادة وأسلوب لإنتاجه؛ فالأدوية جميعها يتم حمايتها من خلال ما يمسى (patent) ولكي تتم حمايتها يجب على صاحبها أن يصرح كيف أنتج هذا الدواء؟ وما هي المواد التي استعملها في هذا الإنتاج؟ وما هو المنتج النهائي؟ لكي يصبح هذا الموضوع تحت تصرف البشرية كَكُل، لذلك يستطيع أي إنسان الدخول على أي اختراع مسجل ك (patent) ويعرف قواعده وأسلوب إنتاجه والمنتج نفسه، كما أن الحماية تكون لعشرين سنة فقط؛ لكي تستمر عملية التقدم البشري في الإبداع، بالتالي إن أي إختراع يمضي عليه عشرون سنة يحق لأي إنسان في الدّنيا أن يقوم بإنتاجه مرة أخرى، بشرط ألا يستعمل الاسم التجاري أو العلامة التجارية نفسها تمامًا، فهما يبقيان إلى الأبد لصاحبهما الأول، ما دام يقوم بتجديد الرّسوم المترتبة عليه كلما تطلب الأمر ذلك.

ويعلمنا طلال أبوغزاله كخبير ملكية فكرية، أن حقوق الملكية الفكرية تنص على أن يفصح المستفيد منها  كيف أنتج منتجه.. ويجوز له أن يطوّر على منتج سابق عليه، وهذا يسمى (الابتكار) الذي هو: أن تستطيع أن تطوّر ما هو موجود بشكل يجعل المنتج الجديد الذي طوّرته أنت مختلف، إما في المواد المستعملة فيه، أو في طريقة إنتاجه، أو في النّاتج النّهائي.

وعندما أنشئت المنظمة العالمية للتّجارة، تبيّن أن هنالك علاقة وثيقة ومهمة، بين التّعامل التّجاري وحقوق الملكية الفكرية، ومن هنا نتج اتفاق اسمه (Trips)، يحكم علاقة الإنتاج أو الإبداع أو حقوق الملكية في مجال التعاملات التجارية، وغرض تلك الاتفاقيات "عدم التعدي على حقوق الملكية الفكرية في التعاملات التجارية".

ومع ذاك فالمنظمة العالمية للملكية الفكرية مُجمّدة، وعلى العالم أن يعيد إحياءها؛ لتغطية المواضيع الخلافية التي نتجت عن ثورة المعرفة، وثورة الإنترنت، وثورة الاتصالات، وثورة تقنية المعلومات؛ التي سهّلت موضوع نقل الخبرة من مكان إلى مكان، ومكّنت المصانع من تقليد المنتجات، وسرّعت في الإنتاج، في تغاضٍ لحقوق أصحاب الملكية الفكرية، في سباق على امتلاك طريق الحرير من جديد.