من حديث المفكر العربي العالمي الدكتور طلال أبو غزالة على المشهد الإعلامي

10 أكتوبر 2021 أمريكا لم تهرب من أفغانستان ، هي لم تهزم ولم تنتصر
علاقات واشنطن مع فرنسا متشابكة .. ولن يعمر الخلاف طويلا ..
الحلف الأمريكي البريطاني الأسترالي الجديد .. والخروج من أفغانستان يأتيان في نطاق الإستعداد للدخول في حرب مصالح  إقتصادية تمهد لنظام عالمي جديد
الأمريكان متفقون على أن الصين عدوهم الأول .. ثم روسيا ولا مناص من وقوع حرب
علاقات أمريكا بحلفائها ثابتة، أشبه بالزوجين ؛ يختلفا عشاءً وصباحاً كأن شيئاً لم يكن
مصالح  الدول تحدد مساراتها  ، وهي ليست كعواطف الأفراد ببعضهم

يقول المفكر العربي العالمي الدكتور طلال أبوغزاله رئيس مجموعة طلال أبو غزالة العالمية ومؤسسها ،أن العلاقات بين الدول ليست علاقات حب وكراهية ، وإنما علاقات مصالح وأن الإقتصاد أساس كل قرار تتخذه أية دولة ، فأمريكا عندما تفرض عقوبات فهي تفرضها لمصلحة اقتصادية، في النهاية علاقات الدول ؛ علاقات مصالح.
ثمة تباينات في المفاهيم بين الولايات المتحدة وما عداها من الدول حول مفهوم الاختلاف ، فبحسب القانون الأمريكي ؛ الاختلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خلاف داخلي سياسي ، لكن الإختلاف بين الدول هو خلاف خارجي إقتصادي .  وأوضح المفكر د. أبو غزالة أنه إشتق ذلك من خلال خدمته في مجلس الإدارة الأمريكي للدراسات العليا ، فتعلم كيف تُتخذ القرارات  الاستراتيجية في الولايات المتحدة .
وبهذا المعنى قرأ أبو غزالة موقف أمريكا من الغاء صفقة الغواصات النووية الفرنسية مع أستراليا .. حيث وجدت أمريكا مصلحة اقتصادية لها في ذلك ولما يكمن وراء ؛ وراء ؛ ورائه، أمريكا تنظر الى بحر الصين على أنه ملتقى الصراع القادم ، نظراً لما تمثله الصين من منافسة إقتصادية كبيرة لأمريكا .. مذكرا بما كان قد  قاله مراراً ، بأن الحرب أو الإصطدام العسكري بين أمريكا والصين ، كانطلاق صواريخ من الطرفين أو تحرك قوات بحرية في بحر الصين ، هدفه إجبار الصين على  التفوض لفرض نظام عالمي جديد، ، فالعالم الآن بحسب أبو غزالة بلا نظام عالمي ؛ إنما قيادة عالمية.
وإعتبر المفكر أبو غزالة ؛ أن أمريكا لن تضحي بعلاقتها مع حليفها الفرنسي ؛ إلا إذا كان الثمن هو الصين، أمريكا لا ترى خطراً عليها ؛ إلا الصين ، وهذا القلق الأمريكي تجاه الصين ، ليس محل خلاف داخلي أمريكي ، بل محل إجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، وكل الفئات والأحزاب.. على نقيض أي شيء آخر قد يطرح .. العدو الوحيد هو الصين ، وتأتي روسيا بالدرجة الثانية بعدها .
مستذكرا أي المفكر أبو غزالة ، تعقيب  بوتين ، عندما ردّ على الرئيس الأمريكي لقوله أن لدينا عدو واحد هو الصين وعدو آخر هو روسيا .. بأنه كان يتمنى أن يكون هو العدو الأول والصين هي العدو الثاني.
وعليه فموضوع الغواصات ؛ موضوع صيني وليس أسترالي أو فرنسي، فأمريكا تريد أن يكون في ميزان قوتها معادل عسكري  مع الصين تحققه دولة حليفة لها ؛ وهي هنا أستراليا بحيث تكون هذه الدولة الحليفة ممتلكة لأسلحة نووية جاهزة للإستخدام وفق ما يُتفق عليه معها ؛ دون أدنى تردد ، أو مراعاة للقانون الدولي .
( يسجل المفكر أبو غزالة هنا ملاحظة مهمة وهي أن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة معنية كثيراً بالاتفاقيات والقانون الدولي ، فقد شنت حرباً على العراق بذريعة كاذبة ، وهو ما أقرت به لاحقاً هي وحلفائها .. في حين أن إسرائيل تملك مركزاً نوويا معلناً على الخريطة تعتبر إمتلاكها له مسموح به لأنها اسرائيل .. اتفاقية الرقابة على الأسلحة النووية لا تخالف وجود غواصات محملة برؤوس نووية !؟ ) .
لكن الخلاف الأمريكي الفرنسي المتولد عن إلغاء صفقة الغواصات ، لا يعني بحال ، بحسب د. أبو غزالة أن ينجم عنه تحالف فرنسي صيني، تحدياً للتحالف الثلاثي الأمريكي البريطاني الأسترالي .. ( فموقف فرنسا (المناكف) للولايات المتحدة قديم  ممتد منذ عهد الرئيس الفرنسي شارل ديغول ، ودعوات فرنسا ؛ أوروبا ، ومن بعد ؛ الإتحاد الأوروبي ، بين الحين والآخر للإستقلال عن أمريكا وأحياناً عن النيتو ؟ ليست جديدة ..
( وسبق أن رفض الرئيس الفرنسي ؛ شيراك المشاركة عسكرياً في الحرب على العراق .. لكن واشنطن ومعها لندن تمكنتا من تحشيد تحالف دولي كبير للمشاركة في غزو العراق ، ما إضطر فرنسا للعودة عن معارضتها ، لكي لا تخرج من ( مولد الغزو بلا حمص ) أي أن فرنسا رغم طموحات الاستقلالية عن واشنطن ” ومعها بحدود معينة المانيا ” إلا أنها ليست أقرب الى اي تحالف أو تجمع دولي آخر ، من أمريكا ) .
هنا يؤكد أبو غزالة ، أن علاقات أمريكا الإستراتيجية  مع حلفائها ثابتة، ويشبهها بعلاقة  الزوجين ؛ المرأة بالرجل ، يختلفا على العشاء وفي اليوم الثاني كأن شيئاً لم يكن.
ويضيف أنه مثلما إستدعت باريس سفيريها ستعيدهما ، داعياً لعدم مراهنة أحد على خلاف عميق ؛ أمريكي فرنسي ..جراء إبلاغ السفيرين الأمريكي والأسترالي إحتجاج باريس ؛ على إلغاء صفقة الغواصات ..
ودلل أبو غزالة على ذلك بأن بايدن إجتمع قبل 3 أشهر مع حلفائه في بحر الشمال ، وكان من بينهم أستراليا والفلبين ، وبدا الإجتماع مفاجئاً ، لكن كان واضحاً أن أمريكا تؤسس لحلف ضد الصين، بل وتحتاج أمريكا ؛ فرنسا في هذا التحالف ضد الصين ، وفي آن ، تحتاج فرنسا ؛أمريكا لـ ( تحميها من روسيا ومن التحالف الصيني) .
وشدد أبو عزالة على أن المصالح هي التي تحدد المسارات  ، وهي أقوى من العواطف، لقد خسرت فرنسا صفقة اقتصادية وليست سياسية، لكن أمريكا قادرة بقرار واحد تعويض فرنسا ؛ وسيحل الموضوع بسرعة أكثر مما يُتخيل، مؤكدا أن هذا خلاف لن يدوم، طويلاً ، فأمريكا ( تحضر هدايا لفرنسا لتعويضها عن الصفقة التي ضاعت).. قد تكون الهدية إطلاق يد فرنسا في أفغانستان ..منوهاً بأن باريس شريك رئيس لأمريكا في لبنان والعراق وسورية وغيرها.
وسخر ابو غزالة من الذين يقولون بأن أمريكا هربت من أفغانستان.. أمريكا لم تهرب من هناك ، فهي تستطيع تدمير أفغانستان كما دمرت العراق، إنما أرادت أمريكا بهذا الخروج أن تحضر تفسها لشيء مختلف ، ففي أفغانستان حروب أهلية ، وهي ستبقى متطرفة إسلامياً ، وكمحادة للصين التي يوجد فيها مسلمون ، فإن أمريكا تراهن على تحالف بين أفغانستان ومسلمي الصين ، وبالتالي خلق بؤرة صراع داخلي في الصين.
ولفت أبو غزالة إلى أن أفغانستان لم تستولي على أسلحة أمريكا بالقوة ، لكن أمريكا تدرك أن أفغانستان لا تمتلك أسلحة ذات قيمة، وأسلحة أمريكا التي خلّفتها هناك قديمة وغير مهمة، ونقلها مكلف .. فيما باتت أمريكا  تمتلك جيلاً جديداً من السلاح، وبالتالي كان القرار تركها ، لتمكين أفغانستان من القيام بدورها .
وبالتالي فإن أمريكا لم تنتصر ولم تهزم ، إنما هنالك خطة حرب أمريكية جديدة ، يجري تنفيذها عبر أفغانستان ، بدأت  نسج خيةطها قبل 20 سنة بذريعة غريبة  كـ أسباب احتلال العراق،  وكانت الذريعة بالنسبة لأفغانستان وجود إرهابيين أفغان ، وقد أدين عملهم ، لكن ذلك لا يعني احتلال بلد لهذا السبب غير المنطقي، لقد كان الهدف المقصود بغزو واحتلال ؛ أفغانستان ؛  هو الصين ( منوهاً بأنه  تكلم بهذا الشأن قبل 30 سنة فالصراع قادم بين الصين وأمريكا) وكابل أداة من أدوات الصراع المستقبلي آنذاك ضد بكين.
لكن أفغانستان المجردة كهدف ، لا تحتاج لوجود قوات أمريكية ، ولا لصرف تريليونات الدولارات ، ولا لأن تكون موقع خلاف في الداخل الأمريكي، لذلك فرح الأمريكان بقرار الخروج ، فمنهم من يريد المال للضمان الإجتماعي أو للتوظيف وغيره من الأسباب الأمريكية الداخلية ، وهي كما قال له الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ، أمريكا تفكر كما يجب وكما ينبغي ، متمنيا عليه أن يشرح لكل من يلقاه من قادة وصانعي القرار ، أن أمريكا ليست مجرد بني آدم يفكر بعاطفته وقلبه وإحساسه ، إنما أمريكا دولة، ليست إنساناً ، ولا بشر ، يتصرف بعواطف ويحب ويكره.
عبر أبو غزالة عن أن كل كوارث الدنيا الآن ناجمة عن أن الحرب لم تشتعل بعد ، وأن المستقبل يقدره التاريخ والجغرافيا، وإعتبر أنه بعد كل حرب عالمية ينشأ إزدهار ، فالحروب العالمية تنتج نظما عالمية جديدة ، مستعيراً مقولة ترامب بأن القوانين والمنظمات الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية لم تعد صالحة ، وأن ثمة حاجة لنظام عالمي جديد ، وليس لأن تحتل أمريكا ؛ الصين أو العكس، مبيناً أن الحرب القادمة حرب مصالح اقتصادية وإلكترونية ؛ وأمنية، ومقتضياتها متحققة الآن ، وكلها ستنتهي ، عندما يحصل احتكاك.
ونقل أبو غزالة عن وزير التكنولوجيا والتقنية الصيني قوله ، بعد أن وقعت بكين اتفاقية تعاون ثنائي يسمونها by letter intellectual property agreement، وفرضت شروطاً على الملكية الفكرية أعلى من تلك الموجودة في منظمة حماية الملكية .. نحن في الصين تعلمنا بعد 7 آلاف سنة أن نهز رأسنا ونقول نعم إلى أن يأتي اليوم الذي نرفع به رأسنا ونقول لا وعندها سيكون ذلك حتماً.
وفي نفس الوقت الذي وقعت في تلك الاتفاقية ، كانت الصين تتفاوض للإنضمام لمنظمة التجارة العالمية ، وقتها وضعت الصين شرطاً ثانوياً واحدا وآخر أساسي للإنضمام، وافقت على كل التعديلات في النظام والقوانين ، وطلبت تحديد البرنامج الزمني للتنفيذ وكان هذا الشرط الأول، أما الشرط الثاني الرئيس فهو عدم ربط العملة الصينية بالدولار، وما زال هذا قائما إلى اليوم ، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي عملتها ليست مقيّمة بالدولار.
ومن الحرطقات  الأمريكية الصغيرة ، إنزعاجها لشراكة مجموعة أبوغزاله للملكية الفكرية مع الصين ، كأول مكتب أجنبي يفتتح في الصين .. كما إنزعجت من إفتتاح مكتب للمجموعة في طهران .. في عز العقوبات على طهران.. مبيناً للأمريكان ، وجود مادة واضحة تقول أنه يستثنى من العقوبات ، أنشطة حماية حقوق الملكية الفكرية ، فبالنسبة لأمريكا وللصين ؛ أهم شيء في الدنيا ، هو حماية الإختراعات والأسماء التجارية.
ويوضح أبو غزالة أنه  بصفته  رئيس مجلس المنظمة العالمية للملكية الفكرية ، أن كل أنظمة الملكية الفكرية صيغت بموافقة أمريكا، وتنص على أن أي تطوير لأي اختراع موجود ويكون له قيمة تجارية مفيدة هو اختراع جديد نسميه innovation أو creation.
لكن ترامب عندما يقول أنهم سرقوا حقوقنا يقصد بذلك أخذهم الإختراع والتطوير عليه، وبالمناسبة ؛ فإن الصين تسجل بهذا التعريف سنوياً نحو نصف مليون اختراع، وهذا ما يقصده ترامب ، لكنها بموجب الإتفاقيات التي صاغتها ووافقت عليها أمريكا ، فهي لا تعتبر سرقة وأنا شاركت في هذه الصياغات، والحقيقة أنه لولا ذلك لتوقف التقدم.
ومن هنا فالإختراعات المطورة في الصين تغزو السوق الأمريكية نفسها ،  بل إن أكبر شركة تقنية في أمريكا وهي apple   أصبحت لها مصانع في الصين، ما يمنع الوصول إلى الإتفاق، وهناك  15 موضوعاً لا يمكن الإتفاق عليها ودياً إلا بالحرب.
وحول أن د. طلال أبو غزالة ؛ هو العربي شبه الوحيد ، الذي يتحدث عن الحرب ويريدها ولذلك يهاجمه كثيرون ، يقول أن أوروبا وأمريكا ازدهرت وانتعشت بعد الحرب.
ورأى أن الحرب لم تنته في سورية ، بسبب خلاف على من سيقوم بالإعمار لأخذ المال، فبعد الحرب دائماً يأتي الإزدهار، وهو ما حدث بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ، فبعد الحرب قامت دول عظمى ، وأعيد بناء كل المدن التي دمرت ، والآن بعد الحرب سيحدث الازدهار .
وإعتبر المفكر العربي العالمي أن الحرب لن تكون نتائجها أسوأ من سابقتيها