حرب باردة جديدة تتحرك بالاقتصاد والتكنولوجيا

03 يونيو 2025

لم تعد المسألة مجرد خلاف تجاري أو منافسة اقتصادية بين قوتين كبيرتين، والأمر بات اوضح من أن يجمّل أو يخفى. فالصراع بين الولايات المتحدة والصين دخل مرحلة جديدة تشبه شدّ الحبل حول من سيتحكم بالنظام العالمي في العقود القادمة كل طرف يعرف ما يريد ويعرف خصمه جيدا.

ففي واشنطن لا أحد يعتقد أن صعود بكين بهذا الشكل المتسارع مجرد صدفة أو تطور طبيعي، بل يرونه إعادة انتاج لسيناريو أمريكي قديم يوم كانت واشنطن تعيد ترتيب بيتها قبل أن تخرج لتفرض نظاما عالميا على مقاسها. واليوم تسعى أمريكا لوقف هذا السيناريو قبل أن يصل إلى نهايته
ولسنوات طويلة راهنت أمريكا على سياسة الدمج. شاركت الصين في النظام الدولي وتركت لها مساحة تنمو فيها. لكنها أبقت على وجودها العسكري في آسيا كنوع من التامين تحسبا لأي مفاجأة.

هذه السياسة بدأت تتراجع منذ أن وصل شي جين بينغ إلى الحكم؛ الرجل اتى برؤية أكثر وضوحا وجرأة وصداما، ومع صعوده بدأت ترتسم معالم استراتيجية أمريكية جديدة تمثلت بما يعرف بمحور اسيا وهي خطة هدفها الأساسي تطويق الصين من خلال تحالفات اقليمية مركزة.

ثم جاء دونالد ترامب وغير قواعد اللعبة. رفع مستوى التحدي وحول الصراع إلى أرقام وتعريفات جمركية، فوضع الصين في خانة العدو الاقتصادي المباشر. استهدف شركاتها الكبرى مثل هواوي وبدأ بتفكيك شبكة العلاقات التكنولوجية معها. وللمرة الأولى اعلنت واشنطن رسميا أن الصين لم تعد شريكا، بل خصما استراتيجيا يسعى لتعديل النظام الدولي لصالحه.

لكن الصين من جهتها لم تندفع نحو المواجهة، بل ردت بأسلوب محسوب فبدأت بإعادة ترتيب سلاسل التوريد. زادت استثماراتها محليا واقليميا وسنت عقوبات ضد شركات أمريكية، وخطت خطوات عملية لتقليل اعتمادها على السوق الأمريكية، وسلوكها بات يشي انها تتهيأ لمعركة طويلة وليس لمواجهة مؤقتة.

وتبقى المنطقة الاكثر سخونة هي "الاندوباسيفيك" - أي التنافس الدولي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ- فهنا يتكثف الحضور العسكري الأمريكي وتتوسع شبكة الرباعية التي تضم اليابان والهند واستراليا بهدف موازنة نفوذ الصين. بينما ترد بكين بتوقيع اتفاقيات أمنية مع دول صغيرة لكنها ذات موقع حيوي في الجغرافيا البحرية. أما تايوان فتبقى مركز العاصفة ونقطة التماس الاخطر حيث تتقاطع الخطوط الحمراء والخطابات النارية والمناورات العسكرية من الجانبين

وفي جنوب آسيا يدخل المشهد منعطفا أعقد، فالصين تدعم خصوم الهند سياسيا وأمنيًا بينما تعمل واشنطن على تحويل نيودلهي إلى محور استراتيجي في خططها لمواجهة بكين. وسط هذا التجاذب تتشكل ملامح حرب باردة جديدة لكنها أكثر ديناميكية تعتمد على الاقتصاد والتكنولوجيا والتحالفات المتحركة لا على المعسكرات المغلقة القديمة.

طلال أبوغزاله