الملكية الفكرية العربية..وكيفية حمايتها

25 يونيو 2024 علينا الاعتراف بالحقيقة؛ لا سبيل للإفلات من الذكاء الاصطناعى. فمع الثورة التكنولوجية الهائلة التى أحدثها فى جميع مجالات الحياة، ومن بينها العمل الصحفى، أصبحت حقوق الملكية الفكرية للصحافة العربية مهددة بشكل كبير، بعد أن بات يشكل أحد التحديات المعاصرة ليس على المستوى الوطنى فحسب، وإنما على المستوى الدولى.

حقوق الملكية الفكرية تشمل براءات الاختراع وحقوق الطبع والنشر والعلامات التجارية والتصميمات الصناعية وغير ذلك. ولكن مع اختلاف أنظمتها القانونية من دولة لأخرى، أصبحت احتمالية انتهاكها صداعا فى رأس صناع الخبر ورواد الصحافة والإعلام، ولاسيما مع ظهور أداة كتابة المحتوى «شات جى بى تى» التى أحدثت ثورة لقدرتها على كتابة أنواع مختلفة من المحتوى كالأخبار والمقالات والقصائد وحتى اجتياز الاختبارات المعقدة بشكل أسرع من البشر.

وبعد الدعاوى القضائية الأخيرة التى رفعتها الصحف الأمريكية بما فى ذلك «نيويورك ديلى نيوز» و«شيكاجو تريبيون» و«دنفر بوست»، ضد شركتى «أوبن أيه آى» و«مايكروسوفت»، زاعمة أن الشركتين «تسرقان ملايين» المقالات الإخبارية المحمية بحقوق الطبع والنشر دون إذن، ما دفع نشطاء حقوق الإنسان للتعبير عن مخاوفهم من استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعى فى سرقة الأخبار والتلاعب فيها ونشر بيانات مغلوطة. كما حذر خبراء فى الإعلام والتحول الرقمى من أن المنطقة العربية ككل تاريخها معرض للمغالطات لأنه بالأساس مكتوب باللغة العربية. لذا بدأ صانعو القرار التفكير فى كيفية حماية حقوق الملكية الفكرية من الانتهاكات المحتملة للذكاء الاصطناعى.

ولعل القوانين واللوائح، هى الطريقة المثلى التى يمكن اتباعها لحماية المنتج الفكرى العربى من الانتهاكات المحتملة للذكاء الاصطناعى.

وهنا يأتى دور الحكومات العربية التى لابد أن تسارع مثلما فعل الاتحاد الأوروبى لإقرار قانون تنظيم الذكاء الاصطناعى لمنع التعدى على الملكية الفكرية وحماية مصالح منشئى المحتوى ومالكيه.

وبالفعل، قام عدد من الدول العربية بتحديث أنظمته القانونية لتوافق المعايير الدولية، كما انضمت هذه الدول إلى الاتفاقيات العالمية مثل «اتفاقية بيرن» و«اتفاقية تريبس» (TRIPS) ، اللتين تحددان المعاييرالدولية لقوانين حقوق النشر.

فالمملكة العربية السعودية تعمل على تطوير سياسة شاملة للملكية الفكرية لحماية نقل البيانات والأخبار.

وفى الأردن، يسعى البرلمان إلى مناقشة قوانين حماية البيانات الشخصية فى المستقبل القريب. وهى إحدى الطرق التى يمكن من خلالها حماية حقوق الملكية الفكرية من الانتهاكات المحتملة للذكاء الاصطناعى.

ومن أجل الحصول على الحماية القصوى للبيانات، يرجح الخبراء ضرورة استخدام تقنية إدارة الحقوق الرقمية «دى آر إم» المعنية بحماية المحتوى الرقمى من الوصول والتوزيع غير المصرح بهما، كما يمكن استخدامها لتشفير المحتوى والتحكم فى الوصول إليه ومنع النسخ أو المشاركة غير المصرح بها. كما يمكن أيضًا استخدام هذه التقنية، لتتبع استخدام المحتوى الرقمى وتحديد أى استخدام غير مصرح به.

أما تقنيات العلامات المائية، فهى تقوم بتضمين رمز فريد فى المحتوى الرقمى الذى يمكن استخدامه لتتبع أصله. ويمكن استخدام هذه التقنية لتحديد أى استخدام غير مصرح به للمحتوى والمساعدة فى الإجراءات القانونية ضد المخالفين. ونظرا لأن المنصات التى تعمل بالذكاء الاصطناعى مثل شبكات التواصل الاجتماعى ومحركات البحث أصبحت قنوات شائعة لتوزيع المحتوى الرقمي، فمن الضرورى مراقبة هذه المنصات بانتظام بحثًا عن أى انتهاك لحقوق الملكية الفكرية.

كما أنه من المهم تسجيل حقوق الملكية الفكرية الخاصة لدى السلطات المختصة، حيث توفر هذه العملية حماية قانونية ضد التعدى أوالاقتباس أو التزييف.

وفى نظرة مستقبلية لوضع الصحافة فى الوطن العربى فى عصر الذكاء الاصطناعى ،تشير معظم التوقعات إلى حلول ترتكز على الدفع مقابل الاستغلال والحصول على البيانات والأخبار بإعلان اتفاقيات محددة تعقد بين شركات الذكاء الاصطناعى والمؤسسات الإعلامية العربية ودور النشر. وهو ما حدث بالفعل بين شركة «أوبن إيه آى» رائدة تكولوجيا الذكاء الاصطناعى مع «نيوز كورب» التابعة للملياردير الأمريكى روبرت مردوخ، بقيمة تقارب 250 مليون دولار على مدى 5 سنوات، فيما تعد الصفقة الأحدث والأكبر بعد صفقات سابقة مشابهة عقدتها مؤخرا شركة الإعلام الرقمية الأمريكية «فوكس ميديا» و مجلة «ذى أتلانتك» الأمريكية وصحيفة «فاينانشال تايمز»البريطانية ووكالة أنباء «أسوشيتد برس» الأمريكية و«إكسل شبرينجر»الألمانية و«لو موند» الفرنسية.