لننتصر.. لا بدّ من العلم والتعلّم ثمّ العلم والتعلّم والتعليم.
29 أبريل 2024بقلم غادا فؤاد السمّان
طلال أبوغزاله.. الشاهد على النكبة يواصل التأكيد بين لقاءٍ متلفزٍ أو مُذاعٍ أو مقروءٍ أو " منصّة" أو موقع رائج على "التيك توك والبودكاست " وغيرهما من مواقع ومنصّات التواصل التي يتبعه فيها ويتابعه عليها الملايين.. يؤكّد دائماً ومراراً ويقول: أنّ المأساة الفلسطينيّة منذ 1948 وحتى 2024.. تتكرّر كلّ حين بمشاهدَ مختلفة، لكنها هذه المرّة، ليست مجرّد مأساة حرب غاشمة، وليست حرب مواجهة وفق قواعد الحروب ومعاهداتها الدولية، وليست حرب تراعي المنطق الحربي، وليست حرب متكافئة في العدد والعتاد والمؤن الحربيّة، وليست حرب الآلة التي تحارب..
إنّها وبحقّ حرب العزيمة.. عزيمة الإنسان، عزيمة الكرامة، عزيمة الكبرياء، عزيمة الحقوق، عزيمة الوطن، عزيمة المواطن الذي اختار الحريّة لا التبعيّة، عزيمة الانتماء التي لا تفتر ولا تتبدّل ولا تلين، وعزيمة الهُويّة وهي الأهم على مستوى الوجود والحدود والتاريخ والجغرافيا والذاكرة والوجدان..
بالنسبة ل"أبوغزاله " إنها اللعبة ذاتها، التي يلعبها العدو لإزاحة السكان الأصليين عن أرضهم، لعبة تفريغ المكان من جذوره لصالح الكيان البديل والدخيل والمتطفّل، حيث ينشط اللا ضمير واللا عدالة واللا إنسانيّة واللا منطق، ونظير هذا كلّه يقول أبوغزاله لا بأس، وهو لا يقولها اعتباطاً أو من فراغ، بل من تجربة مريرة، وهو ابن العاشرة من العمر الذي اهتزّت به الأرض ذات اجتياح ودعوة غدر مفاجئة للمغادرة الفورية "المؤقّته " للأراضي الفلسطينيّة حفاظاً على الأرواح، حيث تمتد جذور تلك العائلة الهانئة الوادعة في كنف "توفيق أبوغزاله " الذي حفر في صخر –يافا – من أوّلها إلى آخرها، استقراره ونجاحاته في مَجَالَيّ السياحة والتجارة، التي امتدّ صيتها حتى الدول المجاورة كلبنان التي أسس فيها صداقاتٍ متينةً، شهدها الواقع المرّ الأليم فيما بعد....، وفي دمشق التي أعطته السيدة –أديبة - زوجة دمشقية أصيلة من عائلة مرموقة التي واكبت عائلتها في السرّاء والضرّاء بذات العناية والرعاية والإهتمام، ولم تنسحب من دورها كأمّ وزوجة، ولم تعد أدراجها إلى دمشق بل واكبت معاناة الأسرة، واحتضنت مأساتها، وعزّزت في أبنائها حسّ التميّز حين صنعت من -البطانيّة – "جاكيتا " ومنحته لطفلها –طلال – ليتحدّى فيه الصقيع، والمسافة الشاسعة الفاصلة بين مقر الإيواء في الغازية، وبين المدرسة –الابتدائيّة – التي لم يسلم في حينه الطفل طلال من "التنمّر " والسخرية، لكنه لم يضعف، ولم يُهزَم أمام التهكّم والافتراء، بل عرف كيف يمتلك أدواته الأولى للمواجهة، بتحويل الواقع السلبي إلى وقائع إيجابيّة.
لقد امتلك طلال أبوغزاله المنطق حين بدأ مناورته الأولى في الحوار، حيث امتلك البرهان لأنه يحظى بدفء البطانيّة، بدل أن يحظى بالصقيع نظير المظهر الذي يتحلّى به نظرائه من الزملاء، امتلك الحجّة بأنه الأوحد الذي يمتلك هذه السترة في مدرسته وربما في جميع المدارس على مستوى القطر بل على مستوى القارّة أجمع..
من هنا عرف طلال أبوغزاله كيف يصنع من ضعفه قوّة، ومن حرمانه اكتفاءاً، ومن غربته محوراً، ومن معاناته هالةً، ومن أصابع الانتقاص تميّزاً، ومن استخفاف الغير شعبيّة لا متناهيّة، حين تسلّح بالعلم، واعتنق النجاح ثمّ التفوّق ثمّ الطموح والطموح والطموح وصولاً إلى القمّة، والأهم من هذا كلّه هو الثبات على القمّة وترسيخ قواعد الثبات على امتداد الأجيال من جيل إلى جيل على مدار نصف قرن من الزمان، وحتماً سيستمر ذِكره لأجيالٍ وأجيال قادمة تتخطى القرن التي نحياه حتماً.
طلال أبوغزاله الذي يتابع "حرب الإبادة " الإسرائيليّة الغاشمة على غزّة يرفض أن يسميّها "نكبة " جديدة على فلسطين كما نوصّفها نحنُ ببساطة، فهو يوصّفها من منظار العارف، بل ويعتبرها منذ 7 اكتوبر حربَ "التحرير " بجدارة، ويعتبر الشهداء الذين قضوا في هذه الحرب الغاشمة التي لم نعد شخصيّاً نحتمل "وبال" مشاهدتها بالأرقام، في حين يتابعها هو بهمّة متواصلة وثقةٍ عالية، معتدّاً بفوز الشهداء بامتياز الشهادة لأنّهم "أحياء عند ربّهم يرزقون "، وكلّ الخراب الحاصل في غزّة لا يضعضع ثقة أبوغزاله بالبطولات التي يقدّمها رجال غزّة الأشاوس، لأنّ الخراب مرآة "البربريّة " الآثمة الوضيعة التي يرتكبها العدو، أمّا عن معوّقي الحرب فيعتبرهم أصحاب أوسمة لا يملك العدو في أعماقه المشوّهه والمبتورة من الجذور، والأصالة، والعراقة، والإنتماء سوى هذه الصور الحقيقيّة التي صمّم فيها أوسمته ومنحها لمعطوبي الحرب المتوحّشة، أمّا الأطفال الذين جرّدتهم الحرب من الأهل والحنان والعاطفة والسقف فهم شهود عيان لبشاعة العدو ووحشيّته وهمجيّته وآثامه، وهم دروع المستقبل،.. مستقبل فلسطين الحرّة الأبيّة التي تفتح ذراعيها من خلال الحرب للتحرير ومن خلال الموت للحريّة ومن خلال الخراب للمستقبل وإنّ غداً لناظره قريب،.. وهنا أقول بدوري.. لا شكّ بأنّ كلّ طفل في غزّة خسر كلّ ما لديه، أتمنى أن يحصل على إصدارات أبوغزاله ليكسب كلّ شيء، اعتباراً من المُؤَلَّفِ الأول "طلال ابن أديبه " كتابة -أريج يونس - وصولاً إلى كتاب "رجل تسكنه المعرفة " تأليف الكاتب العريق المعروف -كريم بقردوني – والمعروف أن مكتبة أبو غزاله موضوعة بالمجان للعموم على الدوام، فكيف إذا كانت لأطفال فلسطين، ولأبناء غزّة تحديداً..؟!!!
مجدّداً أسأل أيّة ذهنيّة تلك التي يمتلكها هذا الرجل الكبير، هذا المناضل العتيد، هذا المعلّم الاستثنائي طلال أبوغزاله؟!!
كيف نمتلك رؤيته الإيجابيّة؟!!
كيف نحظى بقناعاته الطموحة المتينة؟!!
كيف نعيد حساباتنا إلى العقل ونرجّح المنطق؟!!
كيف نستخلص العِبَرَ الحصيفة من صميم الخراب والفوضى التي نشهدها؟!!
كيف نلوذ بالهدوء الذي يحافظ عليه أبوغزاله في ظلّ اللاطمأنينة التي تجتاحنا؟!!
أسئلة كثيرة كهذه وغيرها الكثير تدور في خلدي، لكنني أكتفي بمتابعة الرجل الحكيم بين توثيق إعلاميٍّ وآخرَ لأتحلّى بالصبر ولأكتب بثبات، ولأتابع مقالاتي التي أصبحت بكامل طواعيتها أسيرة هذا -المُرشد -الفذّ طلال أبوغزاله.. وأنا بكامل اليقين ريثما يثبتُ ليَ الزمن –العكس – إن استطاع الإثبات..