هل علينا أن نخشى الذكاء الاصطناعي؟

15 أبريل 2024 تخيل أن تنظر حولك، فترى سيارات بلا سائقين، أو ربما طائرات تحلق بمفردها. سيبدو المشهد غريباً بعض الشيء.. صحيح؟ ماذا لو عرفت إذن أن غرف العمليات ستخلو من الأطباء أيضاً، سيكون المرضى في عهدة روبوتات ذكية، والروبوتات نفسها قد تتخذ قرارات مصيرية في السياسة والاقتصاد والتعليم، وتقود الحروب وتطلق النار بدل البشر.
حتى سنوات قليلة مضت كانت هذه الأفكار غريبة ومستحيلة، مقتصرة على أفلام الخيال العلمي فقط، إلا أنها بفضل الذكاء الاصطناعي، ستُصبح على الأرجح أسهل مما يمكن تصوره، بل وأكثر من ذلك، إذ لن يحتاج الأمر إلا لفظ بضع كلمات أو كتابة نص قصير، ثم ستنجز الآلة الذكية كل شيء.

تبدو الحياة رائعة ومريحة في ظل الذكاء الاصطناعي، غير أن هناك أوجهاً مظلمة ومخيفة يُحذّر منها بعض عرّابي وخبراء التكنولوجيا، إلى درجة التنبؤ بخروج الآلة عن السيطرة، وتشبيه الذكاء الاصطناعي بالسلاح النووي، الذي قد يؤدي، في حال سوء استخدامه، إلى فنائنا.
فهل علينا حقاً أن نخشى الذكاء الاصطناعي؟ وما الذي يجب أن نخشاه؟
في الحلقة الثالثة من برنامج "سؤال المليار" على "الشرق بودكاست"، استضافت ميراشا غازي خبيرين في مجال علوم الكمبيوتر، أحدهما يُحذّر من خطر الذكاء الاصطناعي وهو البروفيسور رومان يامبولسكي الأستاذ في جامعة لويفيل الأميركية، والذي حظيت آراؤه بتأييد الملياردير إيلون ماسك أحد أبرز المستثمرين في مجال الذكاء الاصطناعي.
والضيف الآخر هو جوزيف وهبة، خبير بناء النظم البيئية للذكاء الاصطناعي، ونائب رئيس مجتمع خريجي إدارة الأعمال بجامعة هارفارد الأميركية، الذي اعترف بشهادته البروفيسور جيفري هينتون الأب الروحي للذكاء الاصطناعي.

التهويل وسوء الاستخدام
قبل آلاف السنين بدأت رحلة تطور الإنسان عن باقي الكائنات؛ بإطلاق العنان لخياله الذي قاده إلى ابتكارات غيّرت وجه البشرية. عندما اكتشف الصينيون البارود مثلاً، خلال الألفية الأولى بعد الميلاد كانوا يبحثون عن إكسير الحياة، لكن ما كان يُفترض أن يمنح البشر حياة أبدية، تحوّل إلى سبب لفناء الكثيرين خلال الحروب اللاحقة.
ولطالما كان التهويل رفيق درب الاختراعات البشرية. بعد اختراع المحرك البخاري إبان القرن الـ18 شكّل ذلك صدمة للناس، إذ لم يكن بمقدور الآلات قبل ذلك التحرك من تلقاء أنفسها، وهكذا خشي البعض من سيطرتها عليهم.
توالت القرون مع ما حملته من إنجازات واكتشافات علمية، لكن صفتين اثنتين رافقتا رحلة التطور هذه: التهويل القائم على التخيّل وسوء الاستخدام، فالتجارب أثبتت أنه لا يمكن التعويل دائماً على صوابية قرار البشر، فالاكتشافات النووية مثلاً، على أهميتها، سقطت في الاختبار الأخلاقي بعد اختراع القنبلة النووية، واستخدامها في الحرب العالمية الثانية.
اليوم، في العصر الفريد الذي نعيشه، يُهيمن الذكاء الاصطناعي على عقول الناس، أنصاره يَعدون بحياة أفضل، والمشككون يُحذرون من مصير مروّع. الذكاء الاصطناعي ليس سيئاً كما تخشى، وليس جيداً كما تأمل، هكذا يقولون، لكن البشرية، كما يبدو، ماضيةٌ إلى مستقبل قلّة فقط من يستطيعون التنبؤ به.
خارج عن السيطرة
البروفيسور رومان يامبوليسكي من العلماء الذين دقوا ناقوس الخطر، وفي مطلع العام 2024 أصدر كتاباً بعنوان (الذكاء الاصطناعي.. غير قابل للتفسير.. غير قابل للتنبؤ.. خارج عن السيطرة)، رأى خلاله أن تطور الذكاء الاصطناعي قادر على التسبّب بكارثة وجودية، وأن الوعد بالازدهار غير المسبوق، يقابله خطر الانقراض.
لا يخشى يامبوليسكي الذكاء الاصطناعي الذي لدينا اليوم، إذ كما يقول من السهل اختبار الأنظمة ضيقة الإمكانات المتوفرة حالياً، ورغم أن عملية التحكم في الأخطاء ليست بسيطة، لكنها قابلة للتطبيق، إلا أن ما يقلقه هو "الذكاء الاصطناعي المستقبلي الذي نتوقعه، والذي سيكون أكثر قدرة بكثير، وربما عام مثل البشر، وحتى فائق الذكاء في بعض النواحي، إذ سيكون أصعب بكثير، إن لم يكن من المستحيل السيطرة عليه".
وأضاف "هناك احتمال أن تكون أنظمة الذكاء الخارق المستقبلية معقدة للغاية، ولا يمكن التنبؤ بها، ولا يمكن السيطرة عليها لدرجة أنها قد تشكل خطراً، وبطبيعة الحال، إذا لم نتمكن من السيطرة على الذكاء الاصطناعي العام (الفائق)، هناك بعض النتائج التي لن نفرح بها، ولذلك هناك ما يبرر درجة معينة من القلق والحذر بشأن ما يمكن أن يفعله".
ويعتقد يامبوليسكي أن الذكاء الاصطناعي الضيق مفيد، في حين يكمن التهديد في النوع الفائق الذي يجري تطويره، ويوضح الفرق بينهما بأن "نظام الذكاء الاصطناعي الضيق تم تصميمه للقيام بشيء واحد بشكل جيد. لذا فإن نظام لعب الشطرنج مثلاً هو ذكاء اصطناعي ضيق، بينما يمكن للذكاء الاصطناعي العام أن يفعل أي شيء يمكن أن يفعله الإنسان تقريباً. يمكنه قيادة السيارة، ولعب الشطرنج، والتنبؤ بسوق الأوراق المالية، ويمكنه أيضاً تعلم قدرات جديدة، أي أنه أذكى من جميع الناس في جميع المجالات، بما في ذلك العلوم والهندسة".

وتابع "إذا قمنا ببناء نوع ما من آلية الأمان في النموذج الأولي، وبعد ذلك أعاد الذكاء الاصطناعي كتابة الكود الخاص به، وتعلم قيماً جديدة، وطرقاً جديدة للقيام بالأشياء، فمن المحتمل أن يكون قادراً على إزالة بروتوكولات الأمان تلك، وهكذا مرة واحدة يصبح خارجاً عن السيطرة، وهذا هو الخطر. كما يتفق الجميع على أننا لن نكون قادرين على إنشاء ذكاء خارق خاضع للرقابة. فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا نبني هذه الأنظمة؟ يمكننا الحصول على فوائد من الذكاء الاصطناعي الضيق، ولهذا السبب، أنصح بعدم بناء مثل هذه الأنظمة ما لم نتمكن من إثبات أنها قابلة للتفسير، ويمكن التنبؤ بها، وما إلى ذلك".
في المقابل، لا يتفق جوزيف وهبة مع الآراء التي تدعو إلى القلق، بل على العكس يدعم تطوير الذكاء الاصطناعي، لأنه يحمل الكثير من الفائدة، بحسب رأيه.
ورأى وهبة أن الإجابة عن سؤال الخوف من الذكاء الاصطناعي تعتمد دائماً على سياق النظام البيئي المحلي، وقال "إذا كان السؤال عن وادي السيليكون حيث نرى سيارات ذاتية القيادة ونظاماً بيئياً للذكاء الاصطناعي يعمل بكامل طاقته، فإن الإجابة تختلف عما هي عليه في مركز تكنولوجي ناشئ لا يزال يحاول التعرف على سياسات الذكاء الاصطناعي واستراتيجيته الوطنية، ولذلك لن أخاف منه، بل سأتقبله وأشجع تطويره".
وتابع "بالتأكيد هو ليس سلاحاً للشر، بل سلاح للخير إذا فهمته الحكومات والمشرعون والمسؤولون المنتخبون، وفهموا الآثار الاجتماعية والاقتصادية للذكاء الاصطناعي".
أذكى من البشر
لقد استغرق فهمنا لأشياء معينة آلاف السنين من التطور، ومن بين ما تميّزنا به كبشر عن باقي الكائنات هو امتلاك الوعي، وهذا الوعي يحكم عادة قراراتنا وتصرفاتنا بحيث تبقى في حدود العقل وأقل الضرر.
في السابق لم تتجسّد محاكاة الآلات للبشر إلا في أفلام الخيال العلمي.. لا بد أنك شاهدت أفلاماً مثل "Terminator"، و"I. Robot"، و"Matrix" التي رسمت صورة شريرة لآلات قادرة على التفكير بأنفسها، واستعباد مبدعيها البشريين. في عصرنا الحالي، يتجه الذكاء الاصطناعي كما يتوقع الخبراء إلى مستوىً من الوعي والذكاء، لن يشبه وعينا وذكاءنا فحسب، بل سيتفوق عليه بمليارات المرات.
يامبوليسكي لديه فهمه وموقفه حيال هذا الأمر "حسناً، الوعي مفهوم صعب جداً. إن قياس الوعي عند البشر ليس ممكناً تماماً، ولن يكون علمياً حقاً. يمكننا أن نفترض أن الناس واعون، ولكن ليس هناك اختبار لذلك. ولذلك فإننا عادة لا نتحدث عن الوعي بقدر ما نتحدث عن سلامة الذكاء الاصطناعي. لأنه لا يهم حقاً ما إذا كان النظام واعياً أم لا، ما يهم هو مدى قدرته. هل هو أذكى منك؟ هل يمكنه التفوق عليك في المجالات الأكثر إثارة للاهتمام؟".
ويحاول العالم في مجال سلامة الذكاء الاصطناعي توضيح مستقبل الذكاء الاصطناعي "حسناً، سيكون أكثر ذكاءً منا جميعاً. ما يمكن أن يفعله بهذه القوة لا يمكننا التنبؤ به. لا أعرف إذا كان الاستعباد هو بالضبط مصدر القلق. نحن ربما لن يكون لدينا الكثير لنقدمه للذكاء الفائق، لكن يمكن لأي سبب من الأسباب أن يُحاول الذكاء الاصطناعي أن يحد من حريتنا ومن قدراتنا، وربما الاستحواذ على مصادر نحتاجها لوجودنا".
ومع هذه النظرة غير المتفائلة، سألنا يامبوليسكي متى سيتطور الذكاء الاصطناعي إلى الدرجة التي قد نفقد بها السيطرة عليه، فقال "لا أحد يعرف على وجه اليقين. من الصعب جداً التنبؤ بمثل هذه الأشياء. يبدو أن الكثير من الأشخاص يقومون حالياً بتحديث توقعاتهم لتواريخ قريبة. بحسب قادة مختبرات الذكاء الاصطناعي مثل (Open AI) و(Entropic)، قد نكون على بعد عامين أو 3 أعوام من الذكاء الاصطناعي العام (الفائق)، بينما تقول أسواق التنبؤات العامة بالذكاء الاصطناعي ربما من 5 إلى 6 سنوات، وبشكل عام الكثير من الناس يعتقدون أنه خلال عقد من الزمن سيكون لدينا نظام تنافسي مع البشر".