الفهم الغربي الخاطئ للصين يضر بالطرفين
14 أبريل 2024عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي
منذ عقود طويلة ظلت وجهات النظر الغربية بشأن الصين تتشكل، بمزيج قوي من التحيزات التاريخية، والتصورات الإيديولوجية المسبقة، والتفكير القائم على التمني، وهيمنة روايات الدولة الاستبدادية الصاعدة على الخطاب، حيث صورت الصين على أنها خصم يجب احتواؤه وليس شريكا يجب فهمه. ومع ذلك فقد حان الوقت للاعتراف بأوجه القصور في فهم الغرب، وإعادة تقييم نهجه في التعامل مع الواقع المتعدد الأوجه للمجتمع والاقتصاد والحكم في الصين.
والواقع يقول إن الحجم الهائل للتحول في الصين وسرعته يتحدى التصنيفات الغربية السطحية ؛ فمن الأفق الحضري المذهل لشانغهاي إلى المناظر الطبيعية الوعرة في ريف يونان الغنية بالموارد الطبيعية، والتي لديها أكبر تنوع في الحياة النباتية في البلاد ؛ إذ يعد التنوع في الصين واسعًا بقدر ما هو نابض بالحياة، فاقتصادها، الذي كان مدفوعا بعقود من النمو السريع، يقف الآن كعملاق على الساحة العالمية، حيث يعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية، ويدفع الابتكار التكنولوجي إلى مستويات غير مسبوقة.
ولكن سعي الغرب إلى تحويل الصين إلى خصم متجانس، يعني الإضرار بشعبها ومصالح الطرفين، ومن أجل التغلب على تعقيدات القرن الحادي والعشرين، يتعين على زعماء الغرب أن يتخلصوا من النماذج التي عفا عليها الزمن، والتي شكلت لفترة طويلة نهجهم في التعامل مع هذا التنين الصيني، وهذا يتطلب فهماً أكثر دقة، يعترف بديناميكية الصين ومرونتها وقدرتها على الساحة العالمية.
والشاهد أنه على مدى العقود الثلاثة الماضية، شهدت الصين تحولاً ملحوظاً دفعته سياسات طموحة تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية واستثمارات رأسمالية كبيرة، وقد دفعت هذه الجهود المتضافرة بكين إلى الساحة العالمية باعتبارها قوة هائلة، وأعادت تشكيل المشهد الجيوسياسي بشكل أساسي، حيث ارتفع اقتصاد البلاد، متجاوزًا المعالم البارزة بوتيرة مذهلة، مما ضمن في النهاية مكانتها كثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وهذه الفترة من النمو الاقتصادي السريع لم تدفع الناتج المحلي الإجمالي الصيني إلى مستويات مذهلة فحسب، بل أرست الأساس لظهور طبقة متوسطة مزدهرة، ومع ارتفاع الدخول وتكاثر الفرص، صعد الملايين من المواطنين الصينيين من الفقر إلى صفوف الطبقة المتوسطة، حريصين على المشاركة في الرخاء، كما أصبحت هذه الطبقة المتوسطة المزدهرة قوة دافعة وراء الاستهلاك المحلي، مما أدى إلى تغذية الطلب على السلع والخدمات، وإعادة تشكيل الأسواق العالمية في هذه العملية.
والحقيقة أن أصداء العواقب المترتبة على صعود الصين ترددت إلى ما هو أبعد من حدودها، فقد أدت شهيتها للمواد الخام وموارد الطاقة إلى إعادة تشكيل أسواق السلع العالمية، في حين أدى وضعها كمركز للتصنيع في العالم إلى تحويل سلاسل التوريد عبر الصناعات.
علاوة على ذلك، فقد منحها النفوذ الاقتصادي المتنامي قدراً أعظم من النفوذ في المحافل الدولية، الأمر الذي مكّنها من تأكيد نفسها باعتبارها لاعباً رئيسياً في تشكيل الإدارة الاقتصادية العالمية.
ولكي يتسنى للغرب الإبحار عبر تعقيدات القرن الحادي والعشرين، يتعين على ساسته أن ينبذوا الإطار الثنائي المتمثل في مبدأ «نحن في مواجهة هم»، وأن يتبنوا نهجاً أكثر دقة وعملية في التعامل مع الصين، وهذا يتطلب الاعتراف بها كمنافس هائل وشريك محتمل في مجموعة من القضايا العالمية، من تغير المناخ إلى الانتشار النووي إلى الأمن الصحي العالمي.
وإلى أن يتقبل الساسة الغربيون هذه الحقيقة، فسوف يستمرون في فهم الصين بشكل خاطئ.
طلال أبوغزالة