ريادة الأعمال لا ينبغي أن تكون مغامرة طائشة"النجاح قيمة"

07 أبريل 2024

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

إن ما نعيشه الان هو مفترق طرق بين الواقع وتجميله، فأما أن يكون الأمر شكل من أشكال التجميل المبالغ فيه أو أن يتحول الامر إلى مساهمة واقعية فعلية لزيادة ونمو وتنمية الاقتصاد والتحريض لخلق مستوى ناضج من الرياديين على الصعيد الفكري والتنفيذي.

إن الترويج لفكرة المغامرة وريادة الاعمال على انها متعة، وأن الفشل هو جزء من هذه المتعة، جعلت من في اذهان شبابنا أن الحل الوحيد لهم هو ترك الوظيفة التي اتهمت بأنها " مملة"، والانطلاق من الوظيفة الى تأسيس شركة ريادية في بيئة متغيرة تنتظرهم في نهايتها أموالا طائلة، والتي ما هي الا صورة مجملة وبرّاقة وقد تكون مزيفة في بعض الأحيان، وهذه الصورة حفّزت المتأثرين بها لاقتحام هذا العالم الغامض، متصوّرين أنه وبمجرد أن تصبح رائد أعمال وتمتلك شركة ريادية يعني أن تجني الأموال الطائلة وتستمتع بالمغامرة.
إن اللعب على أوتار حساسة تتعلق بأن تبدأ ريادة الاعمال مبكرا لتكون استثنائيا، ولتجني المليارات "كما يدعي البعض" في كبرك، ما هي الا ضربا من الجنون. والحقائق والأرقام تبين فشل اغلب المشاريع الريادية في بدايتها نظرا لندرة الخبرة ونقص المعرفة في عالم يزيد يوما بعد يوم تعقيدا. عندما يحضر عالم ريادة الاعمال الى الاذهان دائما ما يتصدر اسم "مارك زوكربيرغ" "وبيل غيتس " و"ستيف جوبز" كمؤسسين لأكبر الشركات الريادية في العالم ، حتى اضحت قصصهم مكررة، وبعيدة عن ما يدور في عقول شبابنا ممن يطمح الى الثراء السريع.
نطالع يوميا العديد من صحف المال والأعمال المليئة بالعديد من القصص المحزنة لتعثر الشركات الريادية ،  كان سببها  الترويج المبالغ فيه نوعا ما لأسلوب الحياة الخاص برواد الأعمال وطريقة حياتهم السهلة وجنيهم الأموال السريعة وهم جالسين في غرفهم.
ولا تكاد مكتبة في هذا العالم تخلو من عناوين لكتب رنانة تجذب انتباه الباحثين عن وهم الغنى السريع، ولا نرى في المقالات المنتشرة والرنانة على وسائل التواصل الاجتماعي الا عن سبل تحقيق النجاح وتكوين شركات ريادية يتدلى منها وهم الغنى والثراء ، والتروّيج لعالم ريادة الأعمال بشكل مبالغ فيه بحجة دور هذه الشركات في الخروج من المأزق الاقتصادي ودفع عجلة الاقتصاد.
وهذا ما أوقع شبابنا اليوم في فخ محتوى تثقيفي تجميلي من الظاهر، قائم على تزييف الواقع الفعلي مع إهمال عدة جوانب تتعلق بالإمكانات والخبرات والموهبة وتغييب الابتكار. بالإضافة الى جرهم الى واقع ريادة الاعمال الغير مدروسة ، وغياب الخطط الواضحة المعالم  وعدم الاخذ بعين الاعتبار عدم اليقين في هذا الشأن. وهذا ما اثبته نتائج  الدراسة الصادرة عن "CB Insights"، والتي أظهرت أن 90% من الشركات تفشل عند دخولها أسواق المنافسة، بسبب ما تم ذكرة سابقا من غياب للخطط والبرامج والخبرات وغيرها.. ورمي الحقائق المغلوطة والمزيفة عن "الثراء الوهمي "لتأسيس الشركات الريادية.
وفي المقابل ، عادة ما يتم تجاهل بعض الحقائق التي لا يرغب الكثيرون في معرفتها ، لان لقب " مؤسس" لشركة ريادية اصبح يسيطر على عقول شبابنا. والمتعمق في قراءة كتاب  "خرافة ريادة الأعمال" لمؤلفة "مايكل جيربر"، الذي يؤكد به "أن ريادة الأعمال لا تصلح للجميع"؛ يجد أن الممارسة العملية ، الواقعية والفعلية ، بعيد كل البعد عن المحتوى الترويجي المزيف لوهم ريادة الاعمال الغير مدروسة والتي لا تركز سوى على الثراء الفاحش "الموهوم".
وعلى الصعيد الشخصي ، انني أكثر من يدعو الى تبني مفهوم ريادة الاعمال وأكثر من يدعمها اليوم ، ولكنني ادعو الى ان تكون أكثر جدية وواقعية وان لا تكون مجرد هوس ينتهي بالفشل وينتهي اثرها بعد جهد كبير.
وانادي دوما بوجود تشريعات ملائمة لطبيعة الأنشطة الريادية، وأن يكون هناك مستثمرين يبحثون عن الفرص الابتكارية وتبنيها مع الاخذ بعين الاعتبار حاجة السوق لها ، لاسيما وأن اغلب الشركات الريادية التي تفشل في وقتنا الحالي بسبب عدم حاجة السوق للمنتجات او الخدمات المقدمة من قبلها او شدة المنافسة . كما انادي أيضا بضرورة التمييز بين الموظف العادي الذي اعتاد في العمل في وظيفة معينه والريادي الذي يمتلك " العقلية الابتكارية الريادية" ، مع مراعاة الفروق بينهما وضرورة تزويد كلاهما بمتطلبات ريادة الاعمال الناجحة جنبا الى جنب مع دراسة السوق وامتلاك المهارات والخبرات اللازمة لريادة الاعمال في الوقت الحالي.  

 أن الترويج المبالغ فية، وتشوية الحقائق لشبابنا وايهام كل منهم بأنه سيكون " مارك زوكربرج" او "ايلون ماسك " القادم، سيكون لها الأثر السلبي على اغراقهم واقحامهم في عالم من الفوضى دون انذار ودون تخطيط مسبق.
ادعوكم جميعا للتعمق اكثر، والعقلانية والتخطيط المسبق ودراسة السوق والدخول في مجال ريادة الاعمال المدروسة ووضع الخطط المناسبة لدفع عجلة النمو الاقتصادي ، حتى لا تكونوا فريسة لسوق متغير ومتسارع ينتهي الامر به للفشل. بقلم

د. طلال أبوغزاله