النظام النقدي العالمي المتغير

08 أبريل 2024

عمان-منصة طلال أبو غزالة للاعلام المعرفي

لطالما شغل موضوع الهيمنة على العالم أذهان القوى العظمى، خاصة إزاء تحول القوة الذي يحدث في كثير من الأحيان من دولة إلى أخرى. في عصرنا الراهن، هيمنت الولايات المتحدة على المسرح العالمي عسكريًا واقتصاديًا نظرًا لأن الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية في العالم، بل هو حجر الأساس للاقتصاد العالمي. ولكن مع تزايد تأثير منافسيه، قد يصبح السؤال متى وليس إذا كان ميزان القوى سيتغير مرة أخرى. حيث تمارس الدولة القادرة لعبة القط والفأر لتطوير أنظمة بيئية مالية بديلة وتكتلات تجارية لزعزعة استقرار الولايات المتحدة واجتثاثها من موقعها كقوة عالمية مهيمنة.

وبالإضافة للتشكيك في سلطة الولايات المتحدة دوليا فهي تواجه محليًا العديد من التحديات المحلية أيضا. صناعة العقارات في الولايات المتحدة تتعثر، والتضخم في البلاد عند أعلى مستوى له منذ أربعين عامًا، ولديها تريليونات الدولارات من الديون التي تزداد ارتفاعا، وأسواق الأسهم والسندات تتراجع قيمتها، ومؤخراً، أصبح نظامها المالي تحت خطر كبير مع حدوث مشاكل في القطاع المصرفي. كل هذا يشير إلى عيوب أساسية في نظام الولايات المتحدة أخذت تختمر منذ سنوات، مما يضعها في موقف ضعيف ويضع هيمنتها أمام التحدي.

لفهم كيفية حصول الولايات المتحدة على مثل هذا التأثير الهائل والقوة، من الضروري العودة إلى ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية. خلال تلك الفترة، أنتجت الولايات المتحدة كمية كبيرة من المعدات العسكرية وباعتها إلى أوروبا في محاولة لمكافحة ألمانيا النازية. وقد أدى ذلك إلى تحفيز الاقتصاد الأمريكي إلى حد كبير، وساعده في التغلب على التداعيات الاقتصادية للكساد العظيم. ومع إعادة الإعمار بعد الحرب، أدركت الولايات المتحدة تواجد فرصة لازدهار الدولار. مع اقتراب النصر، أنشأت اتفاقية بريتون وودز في عام 1944، والتي أسست نظامًا اقتصاديًا تم الاتفاق عليه من قبل 44 دولة.

ومن أجل تشجيع استقرار سعر الصرف العالمي وتعزيز النمو الاقتصادي، كان أساس الاتفاقية هو الاتفاق على أن يكون الدولار الأمريكي عملة احتياطية للعالم خلال فترة صعبة دمرت العديد من الاقتصادات. تم تحقيق ذلك من خلال ربط العملات بالدولار الأمريكي بدل الذهب، والذي تم تثبيته بسعر 35 دولارًا للأونصة من الدولار. من خلال استخدام معيار الذهب، تم إنشاء بورصة عملات ثابتة للتأكد من أن شراء الدولار يعادل شراء الذهب.

من الواضح أن هذا كان مفيدًا للغاية للولايات المتحدة حيث أصبحت التجارة الدولية تتم باستخدام الدولار، مما سمح لها ببناء نفوذها وقوتها. وتم إرسال كميات هائلة من الذهب من جميع أنحاء العالم إلى البنك الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة مما سمح لها بتجميع كمية كبيرة من الثروة المادية حتى عام 1971، عندما تقرر أن الدولار لن يكون مدعومًا بالذهب. احتفظت الولايات المتحدة بالذهب في خزائنها وتُرك العالم ليستخدم الدولار الورقي مما أدى إلى حدوث تضخم هائل. وفي محاولة لتوفير الدولار، تم وضع مخطط جديد أدى إلى ولادة البترودولار حيث يتم شراء وبيع النفط في جميع أنحاء العالم فقط باستخدام الدولار الأمريكي، مما جعله ذو صلة على الساحة الدولية مرة أخرى وأعطى الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من التأثير العالمي.

ومع العودة سريعًا إلى الوقت الراهن، نرى تضاؤل هذا التأثير حيث أعربت العديد من الدول المنتجة للنفط عن استعدادها لتجارة النفط بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي، بما في ذلك اليوان الصيني. ومع تناقص الاحتياج إلى الدولار الأمريكي، لن تحتاج الصين إلى دولارات أمريكية لدفع ثمن النفط، وبالتالي سيكون للولايات المتحدة نفوذ أقل على الصين. وإذا توقفت المزيد من البلدان عن استخدام الدولار الأمريكي في مثل هذه المعاملات، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة على هذه العملة. إن عمل نظام البترودولار مرهون فقط بقدرة الدولار الأمريكي الحفاظ على مكانته في التجارة العالمية. وهذا يضع هيمنة الولايات المتحدة تحت تهديد كبير وستحتاج إلى خطة أخرى لإعادة تأكيد سلطتها على المنافسين الجيوسياسيين مثل الصين.

في العام 1945، كان لدى الولايات المتحدة 80٪ من أموال العالم من خلال الذهب الذي جمعته، ما يمثل حوالي 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وكانت تحتكر القوة العسكرية مما يعني أنه كان بإمكانها فرض جدول أعمالها على بقية العالم. اليوم، يتزايد حجم الديون على الولايات المتحدة بشكل كبير، مما يؤدي إلى طباعة المزيد من الدولارات الورقية، مما يقلل قيمتها ويزداد التضخم. ويصاحب ذلك شعور بالحرمان مع تفاقم الفجوة في الثروة والقيم، مما يؤدي إلى زيادة الشعبوية. وهذا يؤدي إلى تصلب المواقف وانقسام الناس أكثر، مما يزيد من احتمالية حملهم السلاح ضد بعضهم البعض للدفاع عن معتقداتهم. أعتقد أننا رأينا أمثلة على ذلك خلال أعمال الشغب في مبنى الكابيتول، مقر الكونغرس الأمريكي ومع أولئك الذين يرفضون فوز الديمقراطيين في الانتخابات السابقة. هذا الصراع الداخلي هو علامة دالة على زعزعة الاستقرار والضعف.

في غضون ذلك، يمكن القول بأن الصين قوية مثلها مثل الولايات المتحدة مما سيؤدي إلى صراع طبيعي على القوة العالمية. تعمل الصين جاهدة لبناء مستقبلها وعلاقتها مع حلفائها، ولا سيما روسيا، كما يتضح خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني "شي" إلى البلاد. من الواضح أنه يتطلع إلى تطوير علاقات ودية مع الرئيس بوتين، حيث وعد "بشراكة شاملة وتفاعل استراتيجي" في عالم تهدده "أعمال الهيمنة والاستبداد والترهيب"، وذلك في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة.

أشكال أخرى من الحرب مثل الحروب الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية جارية بالفعل ويمكن أن ينظر إليها على أنها علامات لا مفر منها. تُظهر التغيرات السابقة في النظام العالمي أن هناك عددًا لا يحصى من الحروب الفرعية بين قوتين عظميين متعارضين، والتي ان تنتهي إلا بصراع عسكري.

طلال أبوغزاله