"فلسطينيّ في الزّمن الصّعب"

07 يناير 2020

د.عماد الخطيب
تتظافر الأمكنة والأزمنة على طلال الطّفل في يافا الفلسطينية 1948، فتقذفه يَمْنة ويَسْرة، حيث يهوى، وحيث لا يهوى، وتَغُورُ فوقه الحكايات مُشَكِّلة سِياجًا يمنعه من الاستمتاع بملذاته كمّا يبثّها لا-وعيه الفرديّ، وكلّما أصابته مشكلة ما، ذكّر نفسه بأنّه صاحب الوحيّ المُلهَم.. وأنّه ما من مشكلة تقف أمامه، حتى وإن لم يحلّها في حينها، فيسترجع من لا-وعيه الجمعيّ الصّور اللازمة؛ ليقارنها بما ألمّ به من مشكلة، ليتمكّن من حلّها.
في مخزونه الجمعيّ صُور جمّة من النّجاحات تبعث العزم فيه من جديد!
وتترابط أقدار طلال الشاب بحبالٍ تشدُّ دوائر حياته عكس اتّجاه المألوف؛ لأنّ عقله، وتفكيره، وإبداعه سابقٌ لزمانه، فلم يرضَ بما فرضه عليه القدر، بل رسم حياته بريشته..
فإذا ما استمكنت منه إحدى الحبال، فستزول إلى انقطاع.. وتبقى دائرته متماسكة الأطراف.
إنّه من زمنٍ غير أزماننا، ويعيش بيننا؛ لنرويَ حكاياته، لعلّنا نستفيد منها، ونُقلّد منها ما يخدم مستقبلنا.

ولا يُخفي عنّا أيّ حقائق؛ لأنّه يحبّنا، ويرانا بعين الأب، ولا يرى فينا إلا الأبناء، منذ أن ولد!
نشأ طلال الرجل وفق تخطيط إستراتيجيّ رسم أبعاده بنفسه، بعد نكبة فلسطين وأهلها1948، ولم يستوعب كيف لأرض أن تُغتصب، ويُشرّد شعبها، ولكنّه تفهّم ظروف حياته الجديدة، وأدار بوصلة أوقاته تجاه نجاح مُستقبله الذي خطّط له، مستفيدًا من كلّ جزء من الثّانية فيها، فأدرك إمكانيّاته، ونظّم أفكاره، وحَسب خطواته، وابتعد عن كلّ ما يُكدّر أيّامه، وتفادى الصّدامات، وانصرف صوب رسالته ليحقّق ما ابتغاه، وحمد الله تعالى أن شاهد رسالته تتحقّق، وطموحه صوب عينيه شاهقًا يَشهدُ له القاصي والدّاني.
"كيف لطفلٍ في العاشرة من عمره، ويسير مشيًا على الأقدام ساعتين ذهابًا، وأخرى إيابًا، إلى مدرسته كلّ يوم – كيف له أن يفكّر أثناء سيره اليوميّ بتأسيس إمبراطوريته التي سيتحدّى بها الصّهاينة، ويساهم من خلالها باستعادة وطنه.. لا.. إنّه لم يكن طفلا عاديًّا! كما أنّه لم يعش طفولته! ففي قصص نجاحاته سرّ.. بل أسرار.. أحدها يمكن أن نعرفه من والديه، وثانيها يمكن أن نستدلّه من زوجه، وثالثها يمكن أن يحدثّك به أبناؤه، وبناته، وأحفاده".
طلال العملاق عالم من الأسرار، ولقد كان لزوجته ووالديه وأهله أثر كبير في إنقاذ ما تبقّى من روحه، وإنعاشه، وعودته إلى الحياة عدة مرات بعد أن كان بحُكْمِ مَن فارقها.. إنّه رجل عظيم، وإنّه بحقّ مُلهِم الدّنيا وشاغل النّاس..
مثّلت حياته أسلوب فكرٍ وإدارةٍ لا نظير لهما، وعلينا أن نستنسخ منه، ومن فكره، ومن عقله؛ كي نضمن لمستقبلنا النّجاح، ولن ينجح هذا الاستنساخ إلا بعد أنْ نفهم أقواله قبل أفعاله، ونَعِيَ مسيرته الملأى بالشّقاء والتّعب والهناء والرّغد.
ويعلمنا طلال أن ثمانين عامًا من العطاء شكّلت رحلة طويلة.. وتوّجت بتأسيس إمبراطوريّة "طلال أبوغزاله العالمية" التي حملت اسمه، ورئاسته لها، والتي لها أكثر من مائة وثمانين فرعًا من فروعها حول العالم.. وقد شكّلت قصص تأسيسها جزءًا كبيرًا من تفاصيل حياته.. إنّه بحقّ "مالئ الدّنيا وشاغل النّاس".. ولمن لا يعرفه عليه قراءة آلاف الصفحات المكتوبة عنه من سيرته، والتي حاولتُ اختصارها!