أمريكا.. تاريخٌ من الرّؤساء وقوّة ليست للدّيكور

07 يناير 2019
د.عماد الخطيب
على مدار سنوات وجود (أمريكا) على سطح هذا الكوكب، ونحن نرى قوتها تتصاعد على المستويات كلها، حتى باتت القوة الاقتصادية الأولى عالميًا، وبالتالي حملت تلك القوة الاقتصادية على أكتافها القوة العسكرية؛ لتكون في مصّافها. والسؤال الذي سنجيب عنه هو: "هل ستقبل أمريكا بالهزيمة، وترضى أن تتفوق الصّين عليها، أم ستستخدم قوتها في ردعها؟".
لا، لن تقبل أمريكا بالهزيمة؛ فتاريخها كقوة اقتصادية عظمى في العالم، والوقائع التي تلت ذلك، يُوحي لنا بما ستفعله.. ومن حيث التاريخ  نتذكر تصريحًا لـ (Madeleine Albright) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وهي تقول: "إذا اضطرُرنا لاستعمال القوة فذلك لأننا أمريكا، ولأننا الدولة التي لا يمكن الاستغناء عن وجودها في العالم. نقف شامخين ونرى أبعد مما تراه الأمم الأخرى. نرى المخاطر هُنا وخارج أمريكا وعلى مستوى العالم".
يعني ذلك أنّه حيثما اجتمعتا أمريكا والقوة باتت السيطرة على العالم بيدها، ولا يتطلب الأمر أن يكون هنالك مبرر أو سبب لاستخدامها ضد أحد كائنًا من كان! تقول (Albright) أيضًا: "ما هي فائدة أن نكون أهم وأقوى قوة عسكرية في العالم إذا لم نستعملها؟".
واللافت في النظر أن رؤساء أمريكا السابقين جميعهم سواء أكانوا من الجمهوريين أو الديمقراطيين، كانوا قد نادوا بتصريح (Albright) نفسه، ولكن مع اختلاف في التعبير الذي قد يبدو أكثر دبلوماسية وأقرب إلى السياسة المحنّكة، وهناك جملة أخرى تشتهر بين الرؤساء جميعهم تقول: "إن جميع الخيارات على الطاولة" فعندما يقول القائد هذه الجملة يعني بذلك أن أحد هذه الخيارات هو (استخدام القوة العسكريّة).
وأمريكا لا تكترث لما تخلفه الحروب؛ فعندما سُئلت (Albright) هل كان قتل نصف مليون إنسان في العراق نتيجة الحرب التي قادتها أمريكا بحجة وجود أسلحة نووية في العراق يبرر استخدام هذه القوة فقالت: "نحن نعتقد أن الهدف يستحق ذلك وأنه مقبول لما حصل".
وعلينا أن نعترف بالحقائق التي لا تغيب عن الذّاكرة وهي أن أمريكا أكبر قوة عسكرية في الدّنيا، كما أن يتعذر اتحاد أي دول للوقوف في وجهها، مما يجعل منها الأكثر عتادًا وعدة في العالم، إلا أنه ومن الحقائل القول بأن هناك دولتين تستطيعان الصّمود أمامها وهما (الصين، أو روسيا)، أقول: "الصمود"، وليس "الانتصار"!
ولكن كيف سيواجه الرئيس الأمريكي الجديد تفوق الصّين؟
يعلمنا طلال أبوغزاله أن أمريكا لن يقبل بالهزيمة، وأن تحذير الرئيس الأمريكي السابق (ترامب) من تفوّق الصّين في أكثر من مناسبة.. كما قال: "إنني إذا هُزمت في الانتخابات، فعلى الشعب الأمريكي دراسة اللغة الصينية".. يعني قوله أنّ الصّين ستحتلّ أمريكا (على المجاز طبعًا)، وكان (ترامب) نفسه قد اتّهم الصّين بأنّها شريك تجاري غير مُنصف، إذ كانتا (أمريكا والصين) قد اتفقتا على إيجاد توازن بينهما في التجارة؛ بحيث تقوم الصّين ببيع أمريكا أكثر مما تشتري منها، ثم بدأت الصين بما يُسمّى الـ (شيطنة) حتى تدخلت في كل شيء في العالم، وصرّح غير مسؤول في أمريكا أن كل شيء خاطئ يحصل في أمريكا سببه هو الصين، بما في ذلك مرض (الكورونا)!
لقد استخدمت الصّين (أسلوب ضبط النفس) تجاه الكثير من الاستفزازات الأمريكية، وواجهتها بـ(الصمت)، حتى أنه عندما تمّ اعتقال المسؤول الرّئيس في أهم شركة في الصّين (HUAWEI) في عام 2018 بتهمة الفساد والسرقة، لم ترد الصين، ولم تتخذ أي إجراء، إلى أن بدأت ردود الفعل بالظهور، وأعلن الجانب الصّيني أنه منذ اليوم، فإن أيّ عقوبات تجاهه سيكون الرّد عليها بالمثل، وبدأت تعلو أيادي الصّين كقوة اقتصادية ضخمة صاعدة، في وجه أمريكا، وقامت الصين بردود فعلٍ ملموسة؛ إذ لم تكتف بالأقاويل، حين زادت نسبة استثماراتها في مشروع طريق الحرير أكثر من 3 تريليون مع شركائها مما رفع مجموع ما استثمرته حوالي 27 تريليون، في الوقت الذي تستثمر فيه أمريكا أموالها في الحروب!
وأخيرًا..
فيعلمنا طلال أبوغزاله أنّ أمريكا لن تستسلم لانهيارها الاقتصادي، وفي الوقت نفسه الصّين لا تريد الجلوس مع أمريكا للتفاوض.. لذلك لا بد من اتخاذ قرار بديل..
والبديل الذي نشتم رائحته هو (الصّراع العسكريّ) الذي ستعمّ أضراره الدّنيا بأسرها.. ولكن من التفاؤل القول: "إنه ليس من هدف لهذا الصّراع بين الطرفين سوى أن تمنع أمريكا انهيارها الاقتصادي أمام الصّين، وإنه لا سبيل من مصارعته إلا وجهًا لوجه وبالحرب العسكرية فقط.. وهذا سينقل الطّرفين إلى الاقتناع بالجلوس على طاولة القرار، والشّروع بإقرار حقبة جديدة من حقب قيادة العالم، بطلاها قطبان لا قطب واحد وهما (الصين وأمريكا)".
إذن، الخَيار الآن في المستقبل بيد أمريكا، والرئيس الأمريكي الجديد هو من سيحدّد مصير العالم لمئات السنين القادمة.. ونسأل الله أن يكون قرارًا حكيمًا، وأن يكون فيه أخذ بعين الاعتبار لمستقبل البشرية والسلام.