العلم والتعلم .. لمواجهة أمراض أمتنا واستعادة دورها ومستقبلها
15 نوفمبر 2020ينعم عالمنا العربي بقدر مميز من التخلف والتبعية والتجزئة حد التفكك
والتخاصم ، بل وأحيانا التعادي والتآمر ، وأصبحت جامعتهم المسماة عربية وسيلة (
ناجعة ) لتكريس التبعية.. كما حدث ضد سورية والعراق وليبيا واليمن والصومال
والسودان والجزائر، على فترات زمنية .
وأصبحت ثرواتهم الأحفورية ومن النفط والغاز ، ومزاياهم النسبية من
ممرات مائية وبرية وجوية وأسواقهم ، سيوفا وأعباء عليهم .
وبات ما يمتلكون من أسلحة وعتاد وأرصدة مجمدة في بنوك أعدائهم ، إما
للإقتتال فيما بينهم أو لتصريف أسلحة مكدسة ومنسقة في مستودعات الغرب لا
أسواق لها أو في أحسن الأحوال لتفريغ خزائن من لديه مال منهم في خزائن مصانع
السلاح الغربية ، وفي أغلب الأحوال فإن هذه الأسلحة محرم إستخدامها ضد أعدائهم ،
وإنما لإشعال الفتن الداخلية والبينية وإخماد الثورات والمقاومة ..وغير ذلك من
أوجه الصرف والإسراف غير المشروع .
لقد ندر أولئك الذين تحدثوا عن أسباب هذا التخلف وكيفية معالجته
.. فوجدت المفكر العربي طلال أبو غزالة صاحب مجموعة أبو غزالة العالمية
يتحدث عن ذلك في الحلقة 28 من برنامجه ( العالم إلى أٍين ) الذي يبث على
فضائية RT الروسية.
وتناولت هذه الحلقة تخلف التعليم بعامة بالقياس لغيره من المهن
في العالم ، وفي بلادنا بخاصة علماً وتعليماً وتعلماً ، فالتعليم هو كل شيء .. ومن
نتاج التعليم يكون التقدم الإقتصادي والأبحاث والدراسات والإبتكارات والصناعات على
أنواعها العلاجية والتكنولوجية والتقنية ..الخ ، بل ومن العلم يكون التفوق
العسكري والصناعات العسكرية .
وعندما كانت أوطاننا متقدمة علميا كنا في طليعة الأمم ، على غير صعيد
، وعندما تخلفنا علميا أصبحنا في ذيل الأمم ، وقد تولى قيادنا غيرنا فكان العلم
آخر اهتماماتهم ، فتشظت المنطقة العربية وساد الجهل والتخلف والتعصب بديلاً عن
العلم .
أشار أبو غزالة إلى أنه لكي تنهض الأمة لا بد من أن تلج طريق التعليم
، وليس ذلك فحسب وإنما التعليم بطريقة غير تقليدية ، بسلوك طريق التغيير في
التعليم ، لمواكبة الدنيا في مجالاته ، فنحن أمة كانت هي أساس التعليم
والعلوم والثقافات والآداب بمختلف أنواعها.داعياً لتجاوز التلقين والحفظ ، باتجاه
التحول والتغيير والممارسة ، حيث لم يعد ممكنًا الإستمرار في التعليم التقليدي ،
فالممارسة المهنية تحقق شيئا مختلفاً ، وتستدعي تنمية القدرات الخاصة . .
ودعا د. أبو غزالة إلى تحول وطننا العربي من التعليم إلى التعلم ، بأن
يقوم الطالب بالبحث بهدف الإبتكار والإختراع وإنتاج شيء ـ بديلا عن التلقين والحفظ
المجرد .
وأوضح أو غزالة أنه في عصر المعرفة ، أصبح الحفظ غير مجدٍ
، فكل شيء بات موجوداً على الإنترنت ما جعل حفظ المادة ليس مجدياً ،
بذلك يصبح الهدف من التعلم بحسب أبو غزالة ،وهو على صواب
في ذلك ، البحث والإبتكار والإختراع وإنتاج شيئ حديث في كل المجالات، ويصبح هدف
التخرج تخريج مبتكرين يخترعون وينشئون مبادرات جديدة ..
وذهب أبو غزالة إلى ما هو أبعد من ذلك ، معتبراً أن من الغرابة
تعليم كل الطلبة بنفس الطريقة فالعقول تتفاوت ، هناك عقل يستطيع صاحبه أن
يحلل ويستنتج ويصل لحلول مميزة ، وعقل آخر يحفظ فقط، وبالكاد يتمكن من إضافة شيء ،
وقدم أبو غزالة مثلاً ،
ان الطبيب لا يعط العلاج ذاته لكل مرضاه .
ولفت ابو غزالة إلى أن تعليم المهن والعلوم متخلف بالمقارنة مع
الهواتف الذكية وثورة المعلومات والإتصالات، وصناعة السيارات والأسلحة ، لقد تطور
كل شيئ عدا التعليم.
ورأى أنه لكي يتقدم التعلم في بلادنا لا ينبغي هيمنة الوزرات
على مؤسسات التعليم وفرض برامج رقابة، ورفض تدريس مادة جديدة كـ الذكاء الإصطناعي
والإصرار على أخرى ، منوها بأنه ليس لدى الوزارة حق القبول أو الرفض !! مبيناً أن
دور وزارات الدول الإسكندنافية سيكون العام القادم تنظيميا ، وليس إدارياً ،
وستقود فنلندا، التغيير .
ودعا أبو غزالة ، لأن تكون مادة الذكاء الإصطناعي مادة أساسية في كل
مراحل الدراسة ، بحيث تدرس كيفية تطبيقه وإختراع أشياء جديدة في
الجامعة ، لافتاً إلى أننا في عالم توجد فيه منافسة بين الإنسان والآلة ..
الذكاء الإصطناعي يساعد على أن نصبح أقدر وأكثر إنتاجية وحفظًا وطاقة فكرية، وفي
آن يجعل الآلات والأدوات أكثر ذكاءً ، أي أن الذكاء الإصطناعي يغير في الإنسان وفي
الأشياء أيضًا.
ولتحسين التعلم يجب أن يترافق التطوير مع تحسين دخل المعلم ،
وبالتوازي تحسين مهنة التعليم وقدرات المعلم المهنية .
وسيوفر التحول إلى التعلم كثيراً من الإنفافات الترفية للجامعات
، من ساحات شاسعة تحتاج لصيانة، وزراعة، وماء، وكهرباء، وخدمات، تصرف من
موازنة الجامعة ، مستشهدا بجامعة شيكاغو ، وبمقولة رئيس جامعة هارفارد: “أن
تسونامي التعليم الرقمي سيمسح المؤسسات التعليمية إن لم تتحول وتتغير” وتقول
دراسة أمريكية انه في عام 2030 ستتحول الجامعات هناك إلى جامعات رقمية
بنسبة 90% .
مبشراً بأن التحول الرقمي قادم ، فالطفل وهو في حضن والدته سيتقن
الكتابة والقراءة رقميًا من خلال الجهاز الذي يستخدمه ، إنه الأسلوب الجديد لتوجه
البشرية.
لكن أبو غزالة يقر بأن الثورة في التعليم هي أبطأ ثورة في التغيير ،
على مستوى العالم، لكنها قادمة حتى على صعيد مهنة المحاسبة ، حيث ستنتهي هذه
المهنة وستنشأ مهنة المدقق الرقمي من خلال برنامج تكون فيه معايير محاسبية وبرنامج
للتدقيق .
واعتبر ابو غزالة أن العالم بما هو عليه من كساد، وبطالة، وفساد،
وأوبئة، ينبغي أن يعطي الأولوية للإهتمام بالإنسان ومستقبله ، بتكريس التعليم
وتطويره عالمياً ، وبالنسبة لأمتنا حيث تسودها العديد من الأمراض والعثرات
الإقتصادية والسياسية والاجتماعية والبينية والاحتلالات والأطماع الخارجية ، ينبغي
عليها أيلاء التعلم أهمية خاصة ، بحيث تتغلب على ما يحول دون تقدمها ،وتستعيد
مكانتها بالعلم والمعرفة وتحقيق التقدم فيهما بجدارة ، فالعرب كانوا أول من
اخترعوا العديد من العلوم ، ووضعوا الحروف الهجائية ، واقاموا أسواق الأدب ،
وحث دينهم على العلم والتعلم وأولى من يعلم مكانة أعلى من الجاهل . فهم أولى الأمم
ربما ، بإعطاء العلم والتعلم المكانة التي تستحق ، وهو أولى بهم .
يذكر أن أبو غزالة يرأس المنظمة العالمية للجودة في التعليم