إشراقة “النهار”.. تَخْتَلفْ

thumb

إشراقة "النهار".. تَخْتَلفْ

غادا فؤاد السمّان-بيروت

عندما تفتح الصحف تبادرك الأسماء والمقالات والمضامين، دون أدنى جهد منك. تبادرك وكأنّك تخصّها كما تخصّك هي تماماً وربما أكثر، كأنّما ثمّة علاقة خفيّة بين الأبجديّة وذهنك عندما تُولِيَهُ عناية التجارب والتفكير، والتأمّل، والأرشفة، والبرمجة، والإصطفاء، والإنتقائيّة، والتمييز، والمفاضلة، والغربلة، والمسح، والتثبيت وغيرها من العمليات المعقّدة جدّاً التي أصبحنا نُدركها ونُحلّلها ونلتفتُ إليها بشيء من الدراية، والحنكة الذاتيّة، والوعي، بعدما أصبحت علاقتنا وثيقة جداً بالأدوات والأجهزة "الألكترونية" والتي أعطتنا الكثير من التفاصيل التي كانت غائبة عنّا بشكل أو بآخر بحكم سهولة التناول والتدوال.

ولأنّ "النهار" كانت ولا تزال سيدة الصحافة اللبنانية، ولأنّ صفحاتها التي أكنّ لها كل احترام وتقدير وهي التي لطالما احترمت تجربتي وكتابتي وأبجديّتي وحروفي منذ كان يرصّع هيئة تحريرها أسماء محفورة "كالوشم" ومنهم الأستاذ الصحافي السياسي الكبير النائب جبران التويني رحمه الله وريث المجد من والده المُؤسس العريق غسان التويني رحمه الله والذي أورث هذا الإرث الباهر لكريمتيه النائب نائلة التويني والإعلاميّة ميشيل التويني حفظهما الله، وبالتأكيد الأستاذ الشاعر الكبير أنسي الحاج رحمه الله صديق الحرف والحرفة، والأستاذ الشاعر الكبير شوقي أبو شقرا حفظه الله وأطال عمره صديق الجميع والذي لم يضنّ بصفحاته على أحد في أيّ وقت، والروائي العزيز إلياس خوري أطال الله عمره حين كان ملحقَ "النهار" مقرّاً إبداعيّاً لا يُعلى عليه عربياً أو محليّاً، وكل ذلك ليس في ذاكرتي وحسب بل في وجدان لبنان وكل لبنان، ووجدان كل قارىء وكل مثقف وكل متابع وكل شغوف بالصحافة وأدوارها المثاليّة التي كانت ولا تزال "النهار" حتى يومنا هذا رغم كل التقهقر والتردّي والتراجع الذي أصاب عموم الجسم الصحافي في لبنان هي الأولى وفي طليعة الصحافة المُشرِقَة المضيئة والمبهرة.

كل ما تقدّم لم يكن لولا أن طالعني مقال رئيس التحرير في جريدة "النهار" الغرّاء الصديق الودود النبيل العزيز الاستاذ "غسان حجار"، ولا شكّ أنّ افتتتاحياته كثيرة وعديدة ومتنوّعة دائماً، ولكن هذه المرّة شعرتُ أنني معنيّة بكل حرف فيها وأنا أقرأ سرديته المقتضبة الراقية اللائقة الموضوعيّة المتّزنة الواضحة الصريحة المعلنة عن شخصية لطالما أبهرتني وأبهرتْ كل عربي أصيل، وكل غربي معافى من الإنحياز والأحكام والأحقاد المُسبقة، مقال عن د. "طلال أبوغزاله" الذي لم يعد مجرّد اسم كتبتُ عنه وربّما أول من كتبَ عنه منذ أكثر من ثلاثين عام حين كنت وربما لم أزل تلميذة أحبو على دروب الحياة، وطالبة في السنة الجامعيّة الثانيّة، وكانت "النهار" مربض حرفي الذي لم يتردد في النشر عن "أبوغزاله" وكأنّ "النهار" كانت السبّاقة للتنبؤ أن هذا الفلسطيني العربي هو الصورة الأمثَل للإنسان العربي، وأنه سيوثّق نجاحاته صفحة صفحة في أذهان ووجدان وصفحات الشرف ليس في تاريخ الأمّة العربيّة وحسب، بل في وجدان العالم أجمع، وهو الذي تبوّأ مناصب فخرية وشغل أمكنة دوليّة وكراسي اعتباريّة حُجِزَت له محاضراً في كبريات المنابر في العالم وفي أمّهات الأكاديميّات التعليميّة في أهم جامعات العالم وخاصّة في عقر الدور التعليميّة الأميركيّة المتعصّبة منها والمنحتزة بشرسة مشهودة، ورغم كل ذلك استطاع أبوغزاله بفضل حضوره المُبهر وفكره الفذّ أن يفتّت مداميك الذهنيات المتحجّرة، وأن يذيب بنظرياته المستقبليّة معظم الأفئدة الفولاذيّة، وأن يكسر بنجاحاته الواثقة كل الحواجز مهما كانت كتيمة أو مُحكمة.. فهل كثير على هذه الشخصيّة الاستثنائيّة أن تصطفّ كل الأقلام الرفيعة المستوى لتكتب عنه تباعاً وتكتب عنه مِراراً وتكتب عنه شغفاً وإعجاباً وانبهاراً على الدوام.

سيصرخ المغرضين في قرارةِ أنفسهم غيظاً وكمداً ويتساءلون في صمت لماذا تكرّسون أبوغزاله كل هذا التكريس؟ ذلك لأنّهم اعتادوا الإخفاق، ولم يتذوّقوا يوماً معنى النجاح، ولم يدخلوا أيّ رواقٍ من أروقة المجد، ولم ينجحوا حتى بالزحف، لهذا هم ينتقدون كل من يكتب عن "أبوغزاله"، ولهذا يقول المعلّم "أبوغزاله"، لا تحاربوا أعداءكم، بل أحبوهم كما فعلتُ أنا دوماً، لقد أحببتُ عدوّي كصاحب فضل على مسيرتي، فلولاه لما كبر الهاجس، ولولاه لما اشتدتْ العزيمة ولولاه لما كَبُرَتْ الإرادة ولولاه لما عثرتُ على مبررات التحدّي، العدو دافع لنكون الأفضل، فاشكرْ عدوّك لأنه يجعلك الأفضل في نظر نفسك، وفي نظره هو، وكلّما كان حجم الحسد والحقد والاستفزاز أكبر كلّما كبر حجم التحدّي، والتحدّي حلبة كبيرة للنجاح عندما تزرع في رأسك فكرة النجاح وتضعها كما "التاج" فوق جبينك كَمَلِكٍ متوّج، وتسعى على الدوام للحفاظ على مملكتك التي صنعتها بأدواتٍ ذاتيّة أهمّها قناعاتك واجتهاداتك وصبرك ومساعيك، وللحفاظ على مملكتك تجد نفسك ما إن تخرج من جولة للتحدّي حتى تدخل في أخرى، وهكذا تكثر أوسمتك وتكبر دروعك لمواجهة الحياة وتصير الصِعاب مع الوقت متكئاً لك ومجدافاً للغوص أكثر فأكثر ولن تتحوّل إلى عائقٍ، إلّا إذا شئتَ أنتَ أنْ تجعلها عائقاً باستحضارِ فكرة الفشل أمام ناظريك على الدوام.

كم نحتاج أن نتعّلم منك الكثير الكثير طلال أبوغزاله خلاف كل ما تعلمناه وأدمناه سابقاً أيّها المعلّم الإيجابي فكراً وفقهاً وتطبيقات، وفي مقدمة كل العلوم ذاك الوعي والحرص منك كيف أجدتَ دائماً أن تقلب السلبيات إلى قمم الإيجابية، كم نحتاج أن ننتصر على أخطائنا بصوابكِ الحكيم الذي يكاد يمشّط جميع الحقول المعرفيّة ويحرّرها من ألغام التخلّف والجهل والإخفاقات المتوارثة والمتراكمة كسواتر ترابيّة تعدم الرؤية المُستقبليّة أمامنا شبه انعدام تام.

شكراً ل "النهار" التي جعلتني أكتب ما كتبتُ أعلاه.. شكراً للقلم النبيل الموضوعي الحصيف الحرّ غسان حجار، وشكراً لك على الدوام طلال أبوغزاله وأنت تمنحنا من خبراتك ومعرفتك وتجاربك ونظرياتك وعلمك كل ما توصّلتَ إليه دون أيّ تردد أو تحفّظ أو حرص.